إلى الطيارين والعسكريين وجماعات المسلحين اتقوا الله في المدنيين، اتقوا الله في المستضعفين الذين فضلوا العيش في منازلهم على التشرد والنزوح أو أولئك الذين عادوا إلى منازلهم بعد أن ضاقت بهم السبل وأوصدت في وجوههم الأبواب وكرهوا حياة النزوح المؤلمة، وارحموا من في الأرض ليرحمكم من في السماء.
فكل هؤلاء صاروا يتجرعون الأمرين من جراء الترهيب والترعيب المستمر، فالطيران من جهة والكاتيوشا والبحرية من جهة أخرى، والله إن الأقلام لتعجز عن وصف حالة الذعر والهول التي حلت بالمواطنين البسطاء في ضواحي زنجبار وهم يتعرضون لذلك القصف الحامي الوطيس على الأحياء التي انهالت عليها الصواريخ والقذائف كالمطر من دون تفريق بين بشر وحجر، فما الذنب الذي اقترفوه حتى ينالوا ما نالوه من الفجائع مع سقوط كل قذيفة هنا أو انفجار كل صاروخ أو تحليق أي طائرة هناك.
ترى أين الرأفة والرحمة بهؤلاء الحفاة العراة والبسطاء والفقراء والرعاة؟، وهل هذا هو النصر الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام المختلفة وتشيد به؟، أم أن قادة بعض الألوية قد انفعلوا كثيراً بلذة النصر ونشوته ونسوا أو تناسوا في لحظات الانشراح والسرور أن مواطنين مستضعفين –وإن كانوا نفر قليل- يتوزعون هنا أو هناك من شيوخ أو نساء أو شباب ما زالوا في مساكنهم من حراسات أو رعاة، كافين خيرهم شرهم، عانوا أشد المعاناة وتجرعوا العلقم وهم ينتظرون فرج الله بإخماد نار الحرب وحقن الدماء، فإذا بهم يدخلون مرحلة جديدة أشد وأنكى من سابقاتها، إنها مرحلة الضرب العشوائي وبمختلف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وبكثافة لم يشهدوا لها مثيلاً من قبل، بحجة دك أوكار القاعدة، بهذه الصورة المرعبة والمهولة التي لا يرضاها الله ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، وما أعتقد أن الجهات المعنية ستشارك في هذه الأمر الذي يعود فيه المواطنون ليجدون منازلهم أكواماً وأطلالاً.
وكم أعجب من قائل إن التطهير سيشمل البشر والحجر من دون استثناء وهو ما يستدعي وقفة جادة ومراجعة عاجلة، لاسيما إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار أن هذا القصف العشوائي قد تسبب في قتل وجرح العشرات من المدنيين، ولعل آخرها ما حدث بالأمس في ضواحي زنجبار بباجدار وبعض الأحياء وما وجدوا من يقوم بإسعافهم، إذ لا سيارات إسعاف ولا عيادات ولا مستوصفات ولا مواصلات أو اتصالات، بل وحتى المستشفى الوحيد الذي كنا نعتقد أنه سيكون بمنأى عن المواجهات وسيظل الملاذ الآمن لكل من يقصده باعتبار أننا أمة مسلمة أو حتى من باب الإنسانية، كونه كان قبلة للوافدين إليه من جميع المديريات، قد أصبح في خبر كان، ما يعني أن الجريح سيظل ينزف حتى الموت، فوسائل التضميد معدومة والطريق مقطوعة "العلم" وطريق الحرور شاقة وطويلة.
إذاً هل فكر رجالات أبين من القادة والمسؤولين والمقاتلين بالمدنيين وما عانوه من صنوف الويل والدمار؟، وهل وضعوا في الاعتبار أشهر الصبر والمشقة والحصار التي احتملها هؤلاء، وبالتالي كانت المكافأة المجزية بهذه الصورة المؤلمة والبشعة، إننا ندعوكم لمراعاة الجوانب الإنسانية قبل القتالية.
وفي الأخير.. أود القول إن طمس منازل المواطنين وتدميرها جريمة نكراء والحديث عن إعادة إعمار لجميع المنازل والمؤسسات والمدارس والمنشآت والمرافق والإدارات أكذوبة أنكر، والواقع يؤكد مذهبنا، ولننظر إلى حال النازحين وحالة البؤس والتشرد وعشرات بل ومئات الأسر تهيم على وجهها في أماكن متفرقة، لم تتسلم حتى اللحظة المعونات الغذائية وآلاف أخرى، إذاَ فإننا ندعوكم للرفق واحترام آدمية المتواجدين في منازلهم التي تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وإن كانت من طوبات معدودة، فإنها بالنسبة لهم أغلى ما يملكون، فلا تهدموها على رؤوسهم بحجة مكافحة الإرهاب، لأنهم ببساطة لم ولن يمتلكوا الوساطة التي لن تتم التعويضات إلا بها، ومن لم يمتلكها فسيظل يتابع حتى يمل أو حتى يتم الإعلان عن عجز اللجان الإيفاء بالوعود التي قطعت لإعمار ما تم تدميره.
عفاف سالم
إلى الطيارين.. رفقاً بالمدنيين 2006