إن بقية عمر المؤمن غالية، ولا يبلغ مقدارها ثمن، فالنّفس الذي يعيشه المؤمن قد يكسب به جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، قد يقول بذلك النفس لا إله إلا الله وقد يكون ذلك آخر قوله من الدنيا فيدخل الجنة، روى أبو داود وصححه الألباني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة".
إن بقية عمر المؤمن غالية، قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: بقية عمر المؤمن لا قيمة لها، يدرك فيها، ما فات ويحيى فيها ما أمات، ويبدل الله سيئاته حسنات، وقال سعيد بن جبير: كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة، وقال بكر المزني: ما من يوم أخرجه الله إلى الدنيا إلا يقول: يا ابن آدم اغتنمني، لعله لا يوم لك بعدي، ولا ليلة إلا وتنادي: ابن آدم اغتنمني، لعله لا ليلة لك بعدي، وعن الحسن البصري قال : لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه: وماذا أردت تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضي قدماً قدماً لا يحاسب نفسه، عن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أكل بمسلم أكلة أطعمه الله بها أكلة من نار جهنم يوم القيامة، ومن أقام بمسلم مقام سمعة أقامه الله يوم القيامة مقام سمعة ورياء، ومن اكتسى بمسلم ثوباً كساه الله ثوبا من النار يوم القيامة" روه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي ورواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: ومعنى الحديث أنه توصل إلى ذلك وتوسل إليه بأذى أخيه المسلم من كذب عليه، أو سخرية، أو همزة، أو لمزة، أو غيبة، والطعن عليه، والازدراء به، والشهادة عليه بالزور، والنيل من عرضه عند عدوه، ونحو ذلك مما يفعله كثير من الناس.
وقال قتادة في قوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف، أضاع نفسه وغبن، ومع ذلك تراه حافظا لماله مضيعا لدينه، وقال الحسن : إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ابن آدم، طأ الأرض بقدمك، فإنها عن قليل تكون قبرك، ابن آدم، إنما أنت أيام، فكلما ذهب يوم، ذهب بعضك، ابن آدم، إنك لم تزل في هدم عمرك، من يوم ولدتك أمك، وعن جبير بن نفير قال: لما فتحت قبرص فُرِّق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟! قال: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا تركوا أمره، وقال رضي الله عنه: ما من أحد إلا وفي عقله نقص عن حلمه وعلمه، وذلك أنه إذا أتته الدنيا بزيادة في مال ظل فرحاً مسروراً، والليل والنهار دائبان في هدم عمره، لا يحزنه ذلك، ضل ضلاله، ما ينفع مال يزيد، وعمر ينقص.
أخرج الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل وهو يعظه: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"، فالعاقل يغتنم أوقاته، ويصلح ما فاته، ويبادر فإن بحر الفتن مظلم خبيث، جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " بادروا بالأعمال فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا" وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر" رواه الترمذي.
ولبعضهم:
اغتنم في الفراغ فضل ركـوع  ×× فعسي أن يكون موتك بغتة
كم صحيح مات من غير سقم  ×× ذهبت نفسه الصحيحة فلتة
وقال محمود الوراق:
مضي أمسك الماضي شهيداً معدلاً ××  وأعقبه يوم عليـك جديد
فإن كنت بالأمـس اقترفت إساءة ×× فثن بإحسـان وأنت حميد
فيومك إن أعقبته عاد نفعه ×× علــيك وماضي الأمس ليس يعود
ولا ترج فعل الخير يوما إلى غـد ×× لعل غدا يأتـي وأنت فقيد
قال ابن الجوزي في التذكرة في الوعظ: انتهز فرصة الزمان، قبل تعذر الإمكان، قبل أن تنقل من اسم ما زال (ما زال فلان حياً) إلى خبر كان.
فما كل حين مـمكـن الفوز بالمنى  ×× ولا كل وقـت يرفع الحجب للعبد
هذه إذا باعدتك الريح فادفع شراعها  ×× فيوشك أن تأتـي العواقب بالحمد
فما حازم من لـم يبـادر إلى العلا  ××  ولا نافس من لم ينافس على المجد
هذه سوق المعاملة (مع الله تعالى) قائمة، فأين طلاب الأرباح، هذه مقصورات الخيام بارزة، فأين خطاب الملاح (من الحور العين) لو أن حوراً اطلعت إلى الدنيا لملأتها نوراً وعطراً، فهل إلى مقارنة هذا القرين الصالح مرتاح، كيف ينفزع لخطبة الحور من هو مخلد إلى دار الغرور، إن هجرته الدنيا بكي، وإن غاب عن الآخرة رضي، وقال: كونوا كما أمركم الله، يكن لكم كما وعدكم، أجيبوا الله إذا دعاكم، يجبكم إذا دعوتموه.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان: فحق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه، والتضييق عليها في حركاتها، وسكناتها، وخطراتها، وخطواتها؛ فكل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة، لا حظ لها، يمكن أن يشتري بها كنـز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد، فإضاعة هذه الأنفاس، أو اشتراء صاحبها بها ما يجلب هلاكه: خسران عظيم، لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس، وأحمقهم، وأقلهم عقلاً، وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} (30) سورة آل عمران.
ومن أحسن ما تجده النفس عند الله يوم القيامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن الله تعالى جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخص صفات الإيمان، والصفة الفارقة بين الإيمان والنفاق، فوصف المؤمنين بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ووصف المنافقين بأنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.
 وعملاً بالأمر بالمعروف ونهياً عن المنكر أدعوك سيدي القارئ الكريم إلى صلاة الجمعة في ساحات التغيير وميادين الحرية بامتداد الوطن حتى نزيل الاستبداد وتشرق شمس اليمن الجديد، هيا اعتصم معنا في الساحات في ثورة الشباب السلمية، فبقية عمر المؤمن غالية.