يحدثونك عن التعددية السياسية، بهواية القمع والدكتاتورية، وعن الوطن وفي ذهنهم الفرد المطلق والسلطة المطلقة، إن يمسسه ضر فقد مس الوطن بأسره، لا يفقهون معنى الحرية وطعمها إلا من خلال من يسبغ عليهم نعمه ظاهرة، ولا يرجون للوطن وقاراً إلا إذا أراد هو أن يكون كذلك، سيرتهم معه حافلة بالانتهازية والنفاق وتقديسه, فيما الشعب أسفل سافلين.
لذلك تراهم من أضغاث أحلام في حساباتهم، وكثير من الوسواس الخناس يعتريهم حين يجدون الوطن قابلاً للتحول خارج حدود ما يطمحون، وهم بهذا الولع المقيت يتنازلون عن قيم, يمارسون الهزيمة فيهم قبل أن تكون في الآخرين، ويذهبون إلى خندق المواجهة حين يرون ما ينبض حياة يقلق بالهم ويعكر صفو أمانيهم الكالحة، وهؤلاء من رَهَن الوطن إلى الفرد وجعل الثورة مجرد مائدة يتنادمون حولها على احتيال قادم, ينهك وطناً، قوى أضناها البحث عن الكذب واستمرأته حتى كادت أن تكون هو بلا منازع، لذلك تتحدث عن الديمقراطية، وفي ذهنها يوم ملكه العضود، لديها تبدأ الديمقراطية منه وتنتهي إليه، ما عداه لا يعبأ به، وتحدثك عن الحرية وحقوق الإنسان بمزيد من الاعتقالات والسجون المتعددة الصلاحيات ومزيد من القمع والقتل والتشريد، ومثل هؤلاء الرياء والنفاق الخلص دفنوا وطناً ليحيا فرد، وجعلوا الحياة من نكد ليستريح مستبد كتبوا عنه (العلي العظيم) تعالى الله عما يشركون, فيما هذا الفرد لا هو أدرك نفاقهم وصحا من غفوته، ولا نظر إلى إسرافه وبذخه في الفوضى واللاّنظام، كأنه أدمن سخاء تزلفهم وأرادهم مجرد أدوات لسطوته وقد كان له ذلك، حيث جميعهم أعناقهم مشرئبة إلى طلعته البهية, فهو الوطن ولا مزيد، والثروات على ظاهر الأرض وباطنها وحده الذي سخا على الجماهير بها.
هكذا زبانيته يتفننون ليصلوا إلى حظوته ويطالون هاجسه، ويصير إعلامه البائس مرتع نفاق وتعبد للفرد، وبما يلقيه يومياً من أراجيف وأكاذيب ومن قول زور لجعل الفرد المطلق سنة كونية واجب إتباعها، فبإسم الدين أضر إعلام الفرد بالدين، وجعله حكاية لاستقطاب البسطاء باسم حرمة الخروج على ولي الأمر وإن كان ظالماً، إعلام يعترف بالظلم ويمجده ويجعله من حقوق ولي الأمر على الشعب، هذا هو إعلام زبانية النظام الذي جعل كل الأغاني للفرد وحوقل باسم الفرد، وجعل كل القنوات الفرد، فهو المنهل والمورد، والوطن إلى الجحيم ولدرجة تصديق الفرد ما اعتاده والتوهم، ليتحول هذا الفرد لرهبانية ابتدعوها وتستوطنه أزمة الواحد الذي لا شريك له ولا يقبل بالنصح, أزمته انه وقع تحت تأثير إعلام منافق مجبول على الحقد يسيطر عليه منهم مرضى نفسياً, لا يعنيهم غير وجودهم من خلال الفرد ضد الشعب، حقدهم وكراهيتهم للجمال يبزغ من أعينهم، يتعالون على البسطاء ويعبدون الفرد من دون الله.
إعلام يكره الحياة, استحواذي, إلغائي مدجّن, منصهر في الفرد على حساب شعب وحياة وحرية ومستقبل، يجعل القائد الرمز أداة قمع للآخرين ومضايقتهم والتربص بأي قدرات تجيد الكلمة الشريفة، ويختارون لمفاصله الضعاف من الشخصيات والمستوطن فيهم الغباء, من يقبلون الزعيق والنهر ويغذون مرضاً وعقداً لدى القائمين على سياسة استلاب الوطن حريته، يختارون من يصغي لا من يحاور، وينفذ لا من يتمهل ويتعقل ويحاسب ضميره.
لذلك جعلوا أروقة الإعلام من نفاق وإحباط وانتهازية وتملق، بتراتبية, تبدأ من البسيط لتنتهي بالنظام، الذي استمرأ المغالطات واختراع المزيد من آيات الامتنان والألقاب والأوصاف, ولعل محنة الوطن أن فيه نفوس حاقدة, تدير أجهزة دولة, لذلك تقفز على الإنسان لتطل بتعبد وخشوع على النظام, لولاه ما كان الوطن موجوداً، ولا السماء السماء، شعارهم (ما شئت لا ما شاءت الأقدار............فاحكم فأنت الواحد القهار).
ومن أزمة النظام أنه وقع في براثن دهاقنة إعلام لا يخافون الله طرفة عين ويفعلون ما يؤمرون, غذوا الفرد عقلياً بما لا يستقيم معه منطق ولا عقل، هم أول من خانوه بممارسة الكلمة الكذب والتزلف وجعله مستودع الحكمة وبيتها، ليصاب بالغرور المؤدي إلى الثورة، لذلك رفض الجمهور هذا لأعلام المسخ، رفض الزيف والنفاق والتسلط، رفض غياب الصوت الجميل الأنيق الهادئ، رفض أن يكون استعراض الجيش في القنوات تهديداً للشعب، واستعراض القوة ضد الحياة وقمع الديمقراطية، رأى في هذا الإعلام البغيض أسوأ ممارسة للحقوق والحريات، بفطرته، رفض الجمهور التعاطي مع الدجل والتلويح بالقوة ضد التغيير، رفض الواحدية حتى في تلاوة القرآن بمناطقية ماحقة لا تخرج عن الشيخين(عامر والقريطي) مع إجلالنا وانحنائنا أمام حفظهما لكتاب الله، لكن الممارسة القامعة لم تعترف بوطن زاخر بالقراء، ومن موجبات الحكمة والمسؤولية التنوع وليس الاستحواذ وإلغاء محافظات كتدجين نفسي للشعب يعتاد على الشمال حتى في تلاوة القرآن وما وراء التلاوة، من سياسة استلاب تؤول للفرد ومصالحه.
ولعله مرض أطل على الوطن ليصيرـ بفعل الإعلام ـ كل شيء مناطقياً حتى الأغنية والبرامج كلها واحدة نمطية تميل لكفة الشمال وفي مناطق معينة من الشمال وكلها إفك وكذب ومصادرة حقوق وطن متنوع فيه التعددية الثقافية بلا حدود لو كانوا يفقهون.
ونسأل القائمين على هذه القنوات وما بعدها, ما الضير أن تطلع من على الشاشة والمذياع تلاوة يوماً في العمر للشيخ/عبد الباسط عبد الصمد, مثلا ؟؟!!, لكنه المحرم عندهم، الويل أن تلاوة طلعت على الشاشة لهذا الشيخ لأنها تلغي التفرد والفردية التي يجب أن يألفها الشعب على حساب أمة إسلامية, ناهيك عن وطن, فالمحاذير جميعها أن لا مجال لأغنية عربية أو أجنبية ولا مجال للفرح, الكل يحتشد إعلامياً للأزمة والتأزيم.. والخلاصة إعلام مرابٍ, فاشل, حاقد أخلاقياً وانسانياً, انانياً.
وإذاً الثورة واجبة هنا ومقدسة لإزالة طغيان الكذب والنفاق، ما بالنا بالفوضى والفساد ونهب الثروات وديكتاتورية القمع وصناعة الأزمات وإرهاب النظام للشعب وتسخير ثروات شعب لصالح صندوق يبزغ منه ذات الفرد"33"عاماً, ما بالنا بإهدار حقوق الطفل وكرامة الإنسان وظلم البسطاء وفساد القضاء ونهب باطن الأرض وظاهرها وشعبي عام ديكور, يمارس القمع على الأحزاب ويحدثك عن حوار اللاّ حوار من عام 1994الى اليوم.
حوارات تفضي إلى حوارات على أزمات، جميعها تسويف وتهريج لأنها ترتهن بالفرد بالسلطة المطلقة، وأي حوار قابل للتفتح يقمع وأي صوت يقول كلمة صدق هو مأفون وقوىً صفراء كما يروق للإعلام تسميتها ولا وطني وخائن وعميل، والشعبي العام كما الببغاء يردد ذات الكلمات، وبعد إذٍ, عن أي عمالة يتحدث هؤلاء وهناك لدى النظام ما ليس لأي أحد أن يقدر عليه من الإسراف والتنازلات عن وطن وثورة, لعل آخرها القائد الضرورة.يدين وقوف روسيا والصين ومصر إلى جانب الثورة اليمنية وينظر إلى أنهم صنعوا حرباً أهلية لأن ثمة رغبة في التحول إلى نظام ملكي ولكن ليس قبل تشويه الثورة وأنصارها وبعدئذٍ يقولون: أنت عميل، تعساً لهم.
محمد اللوزي
حين تكون الحريات بهواية الديكتاتورية..؟ 2437