إن مهمة الجيوش في العالم كله تتحدد في حماية المواطنين وممتلكاتهم، ومن أجل ذلك وجدت الجيوش، ولأجل ذلك أنشأت الوحدات العسكرية؛ لتفتدي الوطن بالأرواح الغالية، وتصون المواطنين وحرماتهم بالدماء الزاكية، فيأمن المواطنون في منازلهم، ويسعدون في بيوتهم، ويطمئنون بين عيالهم وبناتهم.
إن شرف الجندية يعني حماية كل مواطن من أي عدوان، ولا يختلف عن ذلك إلا الجيش العائلي الذي يقصف أرحب، ويسحق قراها، ويقتل أحرارها، ويسفك دماء أبنائها، ويزهق أرواح رجالها ونسائها، فليس من الوطنية في شيء قصف المواطنين ومنازلهم ودورهم ومزارعهم وآبارهم وأبنائهم وبناتهم وزوجاتهم وأهاليهم بالطائرات الحربية والمدفعية الثقيلة، ليس من الوطنية ولا من الدين.
إن الوطن أمانة في أعناق الجنود، والوطن ليس الرئيس أو ابنه أو عائلته، إن الوطن هو اليمن، نعم الوطن هو اليمن أرضا وإنسانا، فأنتم موظفون مع اليمن، وأنتم في جيش تستلمون رواتبكم من خزينة اليمن، وليس لأحد فضل عليكم بعد الله إلا اليمن، فمرتباتكم وحقوقكم من اليمن، وليست هبة من أي شخص كائنا من كان، واليمن هو الأرض اليمنية والإنسان اليمني.
إن الإنسان اليمني هو جوهرة هذه الأرض اليمنية الغالية، وهو أغلى شيء موجود فيها، وحبه واجب ديني ووطني، والحفاظ على سلامته مهمة دينية ووطنية، وواجب الجيش أن يوفر له الأمن لا أن يخيفه، وأن يحميه لا أن يقتله، واجب الجيش أن يحرس مزرعة المواطن من أي عدوان يمسها لا أن يعتدي عليها، وأن يحافظ على البئر من أي معتدي أو مخرب لا أن يهدمها، هذا هو واجب الجيش الوطني، لأن تخريب البيوت ليس مهمة وطنية ولا دينية، وقتل المواطنين ليس عملا وطنيا ولا شرعيا، وتدمير ممتلكات المواطنين عمل لا تقوم به الجيوش الوطنية بأي حال من الأحوال.
إنكم تخالفون الدين الذي يحرم القتل، قال الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء. وإن الله تعالى جعل قتل نفس واحدة مثل قتل البشرية جميعا، قال الله تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (32) سورة المائدة
وتخالفون الدستور الذي جعل في نصوصه الواضحة أهم مهمات الجيش الوطني حماية المواطنين وممتلكاتهم، وجعل الجيش يد الوطن الحامية لكل مواطن فيه؛ فلا تمسه يد بعدوان، ولا توجه نحو رصاصة، ولا يصيبه أذى لأن يد الجيش الوطني حامية له، مدافعة عنه، والجيش في هذه المهمة الوطنية يعبد الله من خلال حفظ الأنفس، وحراسة الأموال، وحماية الأعراض، فالدستور اليمني واضح وجلي أن الجيش لحماية اليمن، والإنسان اليمني أغلى ما في هذا الوطن.
وتخالفون العقل فالعقل لا يقبل أن توجه البندقية اليمنية إلى صدور أبناء اليمن، والعقل لا يقبل أبدا أن تدك الدبابات اليمنية بيوت المواطنين اليمنيين، أو أن تقوم طائرات اليمن الحربية فتدمر قرى اليمن ومنازل المواطنين، ولا يقبل العقل أن تقصف المدفعية اليمنية الأنفس اليمنية، والأرواح اليمنية، أي خلل أصاب عقولكم حتى تقبلوا بقتل المواطن اليمني، وتتورطوا في الدم الحرام، فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، هذا أخوك المسلم، الذي حرم الله دمه، فهدم الكعبة حجرا حجرا أهون على الله من قتل امرئ مسلم، وما يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يرتكب دما حراما.
إن شرف الانتماء العسكري له معاني كبيرة في حياة الأمم والشعوب فالجيش الوطني هو الذي يحتضن الوطن داخل عينيه، ويجعل المواطن في مكان روحه فلا يصيبه ضيم، ولا يقع عليه اعتداء، ولا يمسه أحد بسوء، ولا يناله أذى من أي كائن من كان؛ لأن الجيش الوطني يعرف أن شرف الجندية هو شرف الرجولة الكبرى، والبطولات العظيمة، والشجاعة الكبيرة، والعزة المتمسكة بحبل الله عز وجل المهتدية بهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عينان لا تمسهما النار: عين كبت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله.
إن الانتماء العسكري يعني في أبرز معانيه الانتماء إلى الشعب، والحفاظ على الإنسان اليمني، والبيت اليمني، والمزرعة اليمنية، والأرض اليمنية، فالشرف العسكري رفيع المقام، عظيم القدر، عالي المجد، وهو مرهون بالانتماء إلى الشعب، لحفظ الأنفس اليمنية، والأرواح اليمنية، والممتلكات اليمنية، وليس مهمته حماية عائلة وتدمير وطن، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
إن الظلم واضح فسفك الدم الحرام ظلم، وقتل الأبرياء ظلم، وقصف البيوت على الآمنين ظلم، وهدم آبار الشرب ظلم، وتدمير المزارع ظلم، وترويع الآمنين ظلم، وتخويف المسلمين ظلم، وتشريد المواطنين ظلم، وتيتيم الأطفال ظلم، وترميل النساء ظلم، وحرمان الآباء والأمهات من أبنائهم ظلم، وإغلاق منافذ المدن ظلم، وهذا الظلم واضح جلي لا يختلف عليه اثنان، ولا يشك فيه عاقل، ولا يرتاب فيه أحد من الناس.
إن الله تعالى لم يأذن بالقعود مع الظالمين، فكيف بالقتال معهم، قال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (68) سورة الأنعام، وقال الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (140) سورة النساء. وتلفزيون صنعاء يقول إن علي صالح نبي الله في الأرض، فهل هناك استهزاء أكثر من ذلك.
إن الله تعالى قال: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (123) سورة النساء. فلا يأمن الجندي الذي يقتل مكر الله أن يسلط عليه بقصاص الغيب من حيث لا يحتسب، فإن من أعان ظالما سلطه الله عليه، ولا يأمن المدفعي الذي يقصف البيوت أن يهدم الله بيته، فإن الله على كل شيء قدير، ولا يأمن الذي يقصف بالصاروخ أن ينتقم الله منه، فإن الله إذا أخذ الظالم لم يفلته، فلا تجعلوا قدرة الله أهون شيء عندكم، فإن الله بيده كل شيء، ولا يعجزه شيء، وهو على كل شيء قدير.
إن هذه نصيحة لكل من يحمل السلاح: لا تقتل؛ فإنك إن قتلت تورطت في الدنيا والآخرة، ماذا دهاك حتى تقتل فتضيع دينك ودنياك، ففي الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يجيء الرجل آخذا بيد الرجل؛ فيقول: يا رب هذا قتلني. فيقول الله له: لِـمَ قتلته؟ فيقول قتلته: لتكون العزة لك. فيقول: فإنها لي. ويجيء الرجل آخذا بيد الرجل؛ فيقول: إن هذا قتلني. فيقول الله له: لِـمَ قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان. فيقول: إنها ليست لفلان، فيبوء بإثمه".
د. محمد عبدالله الحاوري
فلا تقعدوا بعد الذكرى مع القوم الظالمين 3295