بعد أن أنُهكت الثورة اليمنية بفعل العمل السياسي الذي غير من مسارها الشعبي وأصابها بنوع من الإحباط والجمود النسبي الذي أتاح فرصة سانحة أمام النظام لإعادة ترتيب أوراقه المتساقطة بعد أن كان قد فقدها في اللحظة الأولى من اندلاع الثورة المباركة، فالولوج في الجانب السياسي المتمثل بالحوار مع النظام يعد خطاً جسيماً ارتكبته أحزاب اللقاء المشترك، لأن التفاوض مع النظام أدى إلى تأخر الثورة كما أنه افقدها حماسها الجماهيري والشعبي وحولها من ثورة مؤكدة إلى أزمة سياسية، وهذا ما أراده النظام.
هكذا بدأت الرؤية واضحة لدى الجميع بعد أن وصلت الثورة إلى طريق مسدود، هي المعضلة التي أيقظت الثوار وجعلتهم يشعرون بخطورة الموقف ومن هناك أبدوا استعدادهم الكبير للحسم الثوري، فالمؤشرات التي نلاحظها اليوم على الواقع السياسي والتصعيدي توضح لنا كثيراً من الأشياء الغامضة، تعني أن الثورة بدأت بتنفيذ خطواتها الجدية وكأنها أوشكت على الاقتراب من النهاية بعد أن فقدت الأمل بالدور السياسي، بات الوضع في اليمن أكثر تعقيداً مما كان عليه في الأيام الماضية، فالتجليات الواردة تؤكد لنا أن هنالك تأزماً حقيقياً في كل الجوانب.
قد ينتابك الخوف حتماً حينما تمر بين شوارع صنعاء، خصوصاً في هذه الأيام، ستشعر بالبؤس عندما ترى كثيراً من الأشياء والتغيرات السريعة التي حدثت خلال هذه الأيام القلية، متارس على جانب الطرقات الرئيسة ونقاط عسكرية مستحدثة بين كل واحدة والأخرى بضعة أمتار، وكثير ما يثير انتباهك الانتشار الواسع والكثيف للمدرعات والآليات العسكرية في الشوارع والأزقة الضيقة/ حاملة على متنها جنود يمنيين تعرفهم بوجوههم الشاحبة التي أرهقها العناء، ستشعر حينها أن صنعاء اليوم ليست هي صنعاء الأمس التي تعودنا عليها، أما إذا كنت غريباً عن اليمن وعن صنعاء على وجه الخصوص ربما يأخذك الشك والالتباس، فلا تستطيع أن تفرق هل أنت في صنعاء أم في بغداد، أما إذا واصلت سيرك صوب ميدان السبعين سترى العجيب العجاب آليات عسكرية مدججة بالسلاح الثقيل ومتظاهرين لا نراهم إلا يوم الجمعة، يحملون صوراً متعددة الجنسية، صوراً لعلي صالح وبجانبه العاهل السعودي الملك/ عبدالله، في تلك اللحظة سيرتابك نوعان من الشك، فإذا غلب عليك الجانب الأيدلوجي أو القومي بالتأكيد ستفسر ذلك بعاطفة وحسن ظن حول وضع هاتين الصورتين مع بعضهما، ستقول ربما هذا نوع من التقارب والتجسيد لروح الإخوة والجوار بين الشعبين اليمني والسعودي مع العلم بأن مثل هذه الظاهرة لم تكن معروفة لدينا من قبل، أما إذا نظرت بنظرة سياسية بحتة ستجد عكس ذلك تماماً وستشعر بأنك لست في صنعاء، بل في مكان أخر، كنت لا أود ذكر كلمة جنسية لأن ذلك ليس من مبادئنا الإسلامية، ولكن فرضت عليَّ هذه الكلمة كمفهوم توضيحي فقط، كما أيضاً اعتذر عن إخفاقي في التميز اللفظي بين أسماء الدول العربية اليمن السعودية ...إلخ، لأن الحدود الجغرافية المصطنعة التي استحدثت مؤخراً بين شعوب الأمة العربية والإسلامية هي في الحقيقة مشروع استعماري أراد بها المستعمر زرع العنصرية والطائفية والخلاف بين الشعوب الإسلامية كي تظل هذه الشعوب متقوقعة بعيدة عن تحقيق مصيرها.
فالثورات العربية التي تشتعل اليوم هي في الحقيقة ليست ثورة شعب بحد ذاته، بل هي ثورة أمة نفضت غبار الذل عنها وانطلقت نحو مصيرها، في الوقت ذاته تعد الثورة مطلباً شرعياً لمواكبة العصر والقضاء على الأنظمة الرجعية الاستبدادية، فلماذا هذا الاستعراض بالقوة والعتاد وماذا تعني بالنسبة للمواطن اليمني والمواطن العربي بشكل عام، هل هي ترسانة لحماية المواطن أم لقتله فإذا كان خروج هذه القوات لغرض قمع المتظاهرين وقتلهم هذا شيء مخجل ومعيب ونحن ندرك أن المتظاهرين سلميون لا يحملون السلاح ولا يمتلكون سوى صدورهم العارية التي تستقبل رصاص الغدر والخيانة بروح عالية مؤمنة بعدالة هذه القضية، فمن ذو أن بدأ الشباب بتظاهر لم يمسوا أحداً بأذى أو مكروه ولم يعبثوا بأي محتوى خاص أو عام، هذا دليل يؤكد سلمية الثورة ويثبت أيضا وعي الشباب ومطالبهم الواضحة الجلية وأهدافهم السامية، لذا لا يوجد مبرر لخروج القوات إلى الشوارع التي روعتنا نحن الكبار، فما بالكم بالصغار(الأطفال).. نعم إن الشعب اليمني هو الشعب الأكثر معاناة من بين الشعوب الأخرى التي تسعي اليوم للتحرر من حكامها، فهو أكثر استحقاقاً لثورة تخرجه من هذا المأزق الخطير، فكل معاناة في اليمن بالتأكيد تحتاج إلى ثورة مستقلة بذاتها، فأزمة الغاز وانعدام المشتقات النفطية أعتقد أنها معاناة كافية لإحداث ثورة عارمة، فكيف إذا تجمعت كل هذه الأزمات التي نعاني منها اليوم انقطاع الكهرباء والمياه والخدمات الصحية وارتفاع أسعار المواد الأساسية في شعب مثل شعبنا اليمني.
أخي القارئ الكريم مما لا شك فيه بأن الحسم الثوري أصبح حاجة ملحة عند كل ثائر وثائرة، خصوصاً في ظل مثل هذه الظروف القاسية والحالة المعيشية المتردية التي أحاطت بنا من كل الجوانب والنواحي المختلفة، لذا لا يعد الحسم الثوري عند الثوار مطلباً ثورياً فحسب كما يتصوره البعض، بل هو واجب وطني وإنساني للتخلص من هذه المعاناة الإنسانية والعقاب الجماعي المقصود من جانب النظام المتهالك، فينبغي علينا كمواطنين يمنيين تهمنا اليمن أن نقف وقفه وطنية جادة صادقة مع ضمائرنا ومخلصة لهذا الوطن الحبيب حتى نتمكن من تجاوز هذه المرحلة الصعبة .
فواز العبدلي
حسم الثورة واجب وطني وضرورة إنسانية 2204