أذكر أن صاحب البقالة الذي كنا نستلف منه زمان كان اسمه "جميل"، أول ما فتحت البقالة كان يصبر علينا مع أنه كان يبالغ في رفع الأسعار ويزيد فوقها خمسة بالمائة ضريبة "دين".
وكان الرجل يعاني من السكري، بالكاد يصبر حتى آخر الشهر: "يا عم جميل الصبر جميل، يعني الصبر سموه على اسمك، يعني الصبر ابنك فلا تفرط في فلذة كبدك"، فيقول لي "الصبر هذا لا هو ابني ولا اعرفه أنا ابني اسمه حمود جني مصور أو بالأصح جني مطور".
وكنت دائماً أسأل نفسي كيف واحد مسمي بقالته "بقالة الصبر" وهو فيه سكري ما يصبر على أمه.
وكنت كلما قلت له "اصبر للمرتب" يغني لي أغنية أم كلثوم: نا ياما صبرت زمان إنما للصبر حدود..
قلت له يا عم جميل: إذا حد قالك إن أم كلثوم سلفت عبدالوهاب وغنت له الأغنية علشان يبرجها لا تصدق.. أم كلثوم غنتها في الحب..
يا دوب مرت يومين، راح جميل قلب اسم البقالة وسماها باسم ولده "بقالة حمود"، وحمود هذا لسان حاله: موعود معايا بالحساب يا قلبي موعود.. يتقارح مقارحة، لسانه مثل الحرضي السلتة، ليس فيه شيء من الصبر ولا من جميل طالع لأمه "اقطب، هاااااات".
يعني موظف محدود الدخل راح يتسلف منه سكر، قاله هات قال سجلها لآخر الشهر أنا وفي معك اسئل أبوك جميل، قال أنا ما اعرف جميل إذا أنت تشتي سكر روح اغرف لك من رأسه (على اعتبار أن أبوه مصاب بالسكري).
ثم مات جميل وأصبح حمود صاحب الامتياز وأدركت أن جميل كان حكيماً جداً عندما جعل حمود المسؤول عن البقالة علشان الناس كلهم كانوا يرحموا عليه كلما شافوا أخلاق حمود وشدته ومغالاته في السلع وبيعه لسلع منتهية ولا يدين أحداً إلا بالربا والعياذ الله.
أصبح الموظف محدود الدخل، يدخل البقالة وهي يغني: "أنا ياما استلفت زمان إنما للصبر حمووود".
قلت له: يا حمود اسمك حمود من الحمد يعني لازم تكون صبور وقور، أول ما الزبون يشوفك يقرأ الحمدلله رب العالمين، لكن أنت مبرطم مبوز، الزبون ما يدخل البقالة إلا وقد قرأ: "قل أعوذ برب الفلق".. ثلاث مرات.
وفي عهد الخليفة الحمود تحولت زوايا البقالة إلى لافتات: الحساب مقدماً، ( أنت داخل بقالة وإلا راكب باص؟)، ولافتة مكتوب عليها: "صبرك على نفسك ولا صبر صاحب البقالة عليك"،.. "الصبر جميل (سابقاً)".
ولافتة مكتوب عليها : "احذر، أمامك لسان حمود".
ورحمة بالزبائن الكرام من محدودي الدخل الذين أصبحوا محرومين من نعمة البيع السمح والشراء السمح بغض النظر عن السلف أصبح هناك دعاء دخول البقالة: "يا كريم يا ودود اعتقنا من لسان حمود".
ويا محبي النبي عطروا قلوبكم بالصلاة عليه، اللهم صلي وسلم وبارك عليه.
ghurab77@gmail.com
أحمد غراب
إنما للصبر حمووود!! 2302