لا يكاد يمر يوم أو يومان دون انقطاعات الكهرباء حتى تعود حليمة لعادتها القديمة، الكهرباء التي يأبى الساسة أن يتركوها على حالها، لأنها تتناقض مع نفسياتهم المريضة، فكلما أضاءت يحسون بالألم ويشعرون بالرهبة ويظنون أن النور قد يكشف عن سوءاتهم ويعري حقائقهم، وربما أرصدتهم.
الكهرباء حرب الساسة على الوطن وإحدى أسلحة الفتك التي تستخدم بغباء لإثارة رأي أو استنهاض حد فئة أو حزب ولا يدركون أنها لعبة قديمة وسخيفة وسمجة، يستطيع الأطفال كشف أوراقها وفهم مراميها، دع عنك الرجال وأولي العقول وأصحاب الرأي ومن وصل بهم العمر مرحلة بلوغ الحلم، كان الأجدى والأجدر بهؤلاء البحث عن أساليب حضارية للتعامل مع الأزمات، ولكن أنى لهم ذلك وهم لا يفهمون الحضارة والتحضر، فالأزمات هم من أداروها وأرادوها وخططوا لها، غير مدركين أنه ((من حفر حفرة لأخيه أوقعه الله فيها))، فما بالك بمن يحفر حفرة لشعب وأمة وأجيال، ولكنه الإفلاس بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ولنعني به الإفلاس المادي على الجانب الشخصي، فهذا مستحيل وغير ممكن، لأنه تم إفراغ الوطن ومؤسساته من الأموال وإفقاره في مقابل أن يعيش متنفذوه وفاسدوه الثراء الأسطوري، ولكنه الإفلاس الأخلاقي والسياسي الذي جعلهم يتخبطون تخبط الأعمى على غير هدى ويسيرون في منعرجات الطرق التي لم يحسنوا تعبيدها وشقها، ظانين وهم مخطؤون أن غيرهم فقط من سيمر ويسقط ويتردى عليها، بينما سيكونوا في مأمن ومنأى وبعد عن ذلك..
اتركوا الكهرباء المتهاوية والمتهالكة التي أكل عليها الدهر وشرب تضيء على قلة ضوئها، الناس يدركون أن المشكلة ليست في الأزمة السياسية ولا في المعارضة ولا في أي مما تقولون.. الناس يدركون أن الكهرباء شكلت إحدى المؤسسات الإيرادية التي استوطن فيها فسادكم وفعلت فيها معاول فسادكم أفعالها..
دعوا الكهرباء تضيء وهي تختنق، لأنها في مراحل النفس الأخير، لأنكم لم تصونوها ولم تطوروها ولم تحدثونها وإنما استأثرتم بمخصصاتها وميزانياتها ومداخيلها عاماً بعد عام وشهراً بعد شهر، فأضاءت أرصدتكم وتنورت جيوبكم ولمعت سياراتكم وقصوركم وتهالكت آلات ومكائن ومولدات الكهرباء ومحطاتها المجموعة من أصقاع الأرض على شكل هبات ومنح وصدقات وخردة يتم الاستغناء عنها وبسببكم تم منحها مقلب العالم للخردة اسمه ((اليمن السعيد)).
مل الناس فلسفة الخبراء أو المتخيبرين على القنوات الرسمية وتنظيراتهم وتحليلاتهم وشروحاتهم البائسة التي لا تقل بؤساً عن وجوههم التي شوهها الفساد وأيديهم التي تتلطخ بدنس السرقات والصفقات الوهمية المعلنة في الإعلام والمرسومة على الورق والغائبة والمفقودة على أرض الواقع والحقيقة، مل الناس سماع الجمل السمجة والدعايات المغرضة ومحاولات التملص من المسؤولية المباشرة وتحميل الآخرين تبعات الفشل الذريع في كل مؤسسة ومرفق بسبب المافيا الفاسدة التي شلت الإدارة والقانون وأظهرت الفسدة بدور المصلحين ودعاة الإصلاح ومعهم الفشل والشلل والعجز والمصائب التي تمطر الوطن من حدب وصوب.
دعوا الكهرباء تضيء على قلة ضوئها وإمكانياتها، فالمواطن يدفع فواتيرها بربع أو نصف دخله، خصوصاً في المناطق الحارة وكفاكم عبثاً بحياة الناس، فإنها ما إن تنطفئ حتى تصب عليكم لعنات الناس ودعواتهم، فهل تنتظرون أنكم ستفلحون أو تنجون.. لا أضاء الله طريقكم ولا قبوركم ولا حياتكم أيها العاشقون للظلم والظلام وأحياكم في ظلمات السعير.
علي الربيعي
الكهرباء تلعن الفساد والمفسدين 1876