يحق لنا الآن ومع اقتراب اجل حسم الثورة يوماً بعد أخرى وتصاعد وتيرتها لإسقاط النظام من اقصر الطرق وبأقل التكاليف والخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية التي كان ومازال من الممكن أن تفرضها علينا وعلى الشعب والوطن الحلول العسكرية والاستعدائية الأخرى..فانه يحق لنا أن نتخيل معا مجرد خيال ليس إلا إذ ـ لم يعد الخيال في هذه الحالة كما كان من سابق بالنسبة لنا كالخيال العلمي الذي نستبعده ـ أن هذه الثورة الشبابية البيضاء النقية الطاهرة التي قامت ضد الظلم والقهر والفساد قد نجحت بعد أن أيقظت وعي الجماهير وبثت فيهم روح الحرية والكرامة الإنسانية، وأنها تخطت كل المراوغات ومحاولات القفز على مكاسبها من أصحاب المصالح الشخصية، وأن الحياة الطبيعية قد عادت إلى الشارع، ورفعت الخيام والاعتصامات من الساحات وعاد الناس إلى منازلهم ونتخيل أيضاً أن مجلس النواب المزور قد تم حله واستبداله بمجلس نظيف وشريف من خلال انتخابات نزيهة (بحق وحقيق)، وأن الدستور الذي عبثت به أيادي العابثين من العهد البائد (كما سنقول عنهم لاحقا)قد تغير واستبدل بدستور محترم وضعه مجموعة من أساتذة القانون المحترمين الوطنيين (بحق وحقيق)، ونتخيل ونحلم أننا ذاهبون لصناديق الانتخابات لنختار لأول مرة رئيسا لليمن من بين عدد لا بأس به من المرشحين الذين استعرضوا برامجهم بالعدل والتساوي على شاشات التليفزيون وفي مختلف الأماكن والمنابر، وجرت بينهم مناظرات راقية للتحدث حول برامج ترشيحهم، وبعد كل هذا وقبل أن نذهب للإدلاء بأصواتنا في لجان محترمة خالية من بلطجية النظام (البائد) نسأل أنفسنا السؤال التالي:
هل توجد مواصفات قياسية لشخصية الرئيس القادم الذي سنختاره ليحكمنا بحيث نقيّم الشخص ونحدد مدى صلاحيته على أساسها، وحين نذهب إلى صناديق الانتخابات نختار على ضوئها؟
الحقيقة أنه لا يوجد شخص يمكن أن تجتمع فيه كل الصفات القياسية اللازمة لمنصب الرئيس ولذلك ذهب العقلاء من البشر (ومن قبلهم الأديان) إلى فكرة الشورى والديمقراطية وهى آليات تحد من انفراد أي شخص بالسلطة المطلقة وذهبوا إلى أفضلية حكم المؤسسات التي تستفيد من أكثر من عقل وأكثر من رأي وتحمى الشعوب من النزوات والتشوهات الشخصية لحكامه وتحمى الرعية من احتمالات التهميش والقهر والاستذلال، لذلك أصبح حكم الفرد جريمة إنسانية وجريمة سياسية لأنها تعرض شعبا كاملا لأن يكون تحت رحمة نقائص شخصية ومشكلات وأمزجة نفسية لفرد ينفرد بكل شيء دونما رادع حقيقي وموضوعي.
وفي النظم الديمقراطية تكون للرئيس صلاحيات محددة تتكامل وتتناغم مع مؤسسات قوية أخرى تمنع الإنفراد بالقرار وتسمح بتصحيح الأخطاء وتعطى آليات مناسبة للوصول إلى أفضل القرارات بطريقة جماعية موضوعية ومنهجية، ومع هذا تبقى لشخصية الرئيس آثار مهمة على توجيه الرأي العام وعلى الوسائط الإعلامية، ولهذا يجدر بنا أن نذكر السمات القياسية العامة للرئيس:
1 – هو شخص ينتمي لبيئته ولناسه عقيدة وثقافة وحبا وإخلاصا ولديه مشاعر إيجابية نحو ذاته ونحو شعبه ونحو ثقافته، ولديه شعور بالكرامة الوطنية النابعة من احترام الذات والثقة في قدرة الشعب على النمو والنجاح والانتصار.
2 – مهيب الطلعة قوي العزيمة متيقظ.
3 – لديه منظومة أخلاقية تتسم بالصدق والأمانة والشجاعة والعدل ونظافة اليد وطهارة الضمير وتقبل الآخر والمرونة والقدرة على الصمود.
4 - تدرج في ميادين العمل السياسي واكتسب خبرة ميدانية في التعامل مع البشر على مختلف توجهاتهم ومستوياتهم، وعاش الحياة اليومية بكل صعوباتها وتفاصيلها، ولديه خبرة كافية بمشكلات الناس ومعاناتهم.
5 – لديه القدرة على سياسة البشر وشحذ هممهم وإطلاق الطاقات الكامنة لديهم بدافع من حبه وتقديره واحترامه لهم مع القدرة على تحمل أخطائهم والتسامح معهم كلما أمكن ذلك، ولديه الكفاءة لانتشالهم من مشاعر الهزيمة إلى آفاق النصر ومن هوة اليأس إلى ذروة الأمل، ومن حالة البلادة والسلبية واللامبالاة إلى حالة الدافعية العالية والفاعلية والحماس والإنجاز.
6- لديه رؤية إستراتيجية وآفاق واسعة للتفكير والتخطيط والعمل على المدى الطويل مع معرفة عميقة بالأولويات والمسارات الرئيسية للعمل.
7 – يملك القدرة على التفكير الابتكاري ويسعى نحو التغيير الإيجابي دون خوف وينتقل من مرحلة لأخرى بسلاسة ولا يتثبت أو يتشبث عند مرحلة خوفا أو ترددا أو طلبا للراحة والسلامة.
8 – يملك شخصية مستقلة قادرة على التفكير النقدي ورؤية كافة الاحتمالات المطروحة ولذلك لا يخضع خضوعا أعمى لمن فوقه ولا يطلب الطاعة العمياء من التابعين له.
9 – لديه الشجاعة للاعتراف بأخطائه والتراجع عنها وتصحيحها وتحمل مسئولية نتائجها.
10 – لا يستنكف عن التساؤل والاستفسار عما لا يعرفه مع الاستعانة الصادقة والحقيقية بكل صاحب خبرة بصرف النظر عن انتماءاته أو توجهاته.
11 – صاحب شخصية واسعة الأفق تحتمل الخلاف والاختلاف وتتقبل كافة أطياف المجتمع وتتعامل معهم بمرونة واحترام وتعتبر أن الجميع مواطنون شرفاء يشاركون في المنظومة السياسية والاجتماعية بصرف النظر عن الاختلافات الشخصية بينه وبينهم.
12 – يستوعب كافة الأبعاد والمستويات الحضارية والثقافية لشعبه ويدرك قيمة التاريخ والعلم والثقافة وقيمة العلماء والمفكرين وأثرهم في رقي الأمم.
13 – لديه القدرة على المخاطرة المحسوبة من أجل النمو، فالتغيير والنمو دائماً يحتاجان المخاطرة المبنية على معطيات موضوعية.
14 – لديه ذكاء وجداني يجعله قادرا على الوعي بمشاعره دون إنكار ودون ادعاء ثبات كاذب، ويجعله قادرا على الإحساس بمشاعر الآخرين والاستجابة المناسبة لها، ويجعله قادراً على أن يحب ويحب، فالتابعون لا يتحركون بالبلادة الانفعالية للقائد وإنما يتحركون ويحفزون بالمشاعر الإيجابية الحية، فكلما كان مزاج القائد حيا ونشطا وإيجابيا كلما قلت الصراعات وارتفع مستوى الإنجاز.
15 – صاحب خبرة روحية تمنحه صفاءا نفسيا وسلاما داخليا وحدسا صادقا وتطلعا نحو الخلود.
16 – يختار مرؤوسيه على أساس صفاتهم الشخصية وقدراتهم ورؤاهم المستقبلية وميزانهم الأخلاقي وإمكاناتهم وقدراتهم، ويتعامل معهم على أنهم بشر، ولذلك يهتم بهم على المستوى الإنساني ويسعى إلى تطويرهم والتغير معهم وبهم للأفضل، فهم بالنسبة له موارد بشرية تصنع الأفكار والرؤى وبالتالي تصنع المستقبل.
17 – يؤمن بأن التغيير هو أحد أهم القوانين في الحياة، ولذلك يصحح من مهامه الأساسية ويوجهه دائما في الاتجاه الإيجابي، فهو لا يتشبث بالسلطة لنفسه ولا يمكن أحدا من التشبث بها دون مبرر ويسمح للأجيال الجديدة أن تأخذ فرصتها بناءا على كفاءتها، ويساعد على النمو المرن والمتطور لمنظومات العمل بعيدا عن الجمود، وهو يشعر بالملل في حالة رتابة الأحوال وسكونها ويسعى نحو التغيير المبدع الخلاق.
18 – لديه قدرة هائلة على الإنصات النشط لكل من حوله والتواصل المرن معهم دون تحيز أو استقطاب أو أفكار مسبقة.
19 – نظرته للتابعين مليئة الاحترام والتقدير فهم ليسوا أطفالا قاصرين أو رعايا يستحقون الحجر والوصاية، وإنما كبارا ناضجين وجديرين بالثقة والاحترام وتبادل الأفكار.
20 – ـ ديه حساسية دقيقة لقبول التابعين له فإذا وجد أنه أصبح ثقيلا عليهم أو أن وجوده أصبح غير مرغوب أو في غير صالحهم كانت لديه الشجاعة والقدرة على أن ينسحب بشرف من ساحة القيادة وأن يعود مواطناً عادياً يستمتع بحياته الشخصية والعائلية تاركاً المسئولية لآخر يضطلع بها.
21 ـ يتميز بأعلى درجات الصدق والأمانة والشفافية في تعاملاته، وسلوكه الشخصي والعائلي والعام وجدير بالاحترام والتقدير من تابعيه.
22 ـ لا يمكث في السلطة العليا سنوات طويلة (تقدر في الديمقراطيات الحديثة بست سنوات) لأن ذلك يجعله بعيدا عن الحياة الطبيعية للناس نظرا لإحاطة تحركاته بقيود أمنية ونظامية روسمية صارمة، إضافة إلى ما تحدثه السلطة من تضخم في ذاته يجعله غير قادر على تحمل النقد أو المشاركة أو التفاعل، والذات المتضخمة تحمل الكثير من المخاطر لصاحبها ولتابعيه على السواء فهي مفسدة للجميع، فمن يا ترى يكون هذا الرئيس برأي الشعب،هذا البديل الذي نسعى إليه. فاخبرونا عن مكانه.. ولا شك أن اليمن حبلى بهؤلاء الرجال فهلا أمعنا النظر وأحسنا الاختيار وفتشنا عمن تنطبق عليه هذه الصفات والمعايير ليكون حاكمنا القادم.
حافظ الشجيفي
مقاييس وسمات الرئيس القادم 2243