في زمان كثرت فيه العبر وقل فيه من يعتبر ماذا لو أن صالح اعتبر ممن سبقوه من الرؤساء المغضوب عليهم من قبل شعوبهم وتنحى جانباً بسلام وكرامة وتخلى عن ملكه وسلطانه برضا وقناعة بعد ما رأى ما حدث لمبارك والقذافي وقبلهم بن علي؟، أهي الحكمة غابت عنهم، أم هي إرادة الله جلّ وعلا تأبى إلا أن يُخرجوا وهم يحملون أوزارهم وأوزار شعوب كاملة تتعرض للذل والحصار والقتل؟، أهي إرادة الله أن يُخرجوا كمغتصبين ومستعمرين وقتلة في أبشع صورة لرؤساء يحكمون بلدانهم بالقوة؟.
فسبحان من جعل علي صالح مشرداً في بلدٍ لطالما هرب إليها أبناء شعبه طالبين لقمة عيش كريمة أو هاربين من حياة بائسة، لا أمل لهم في صلاحها، في ظل وجود نظام يعمل على بقاء كل ما من شأنه تطفيش الناس، وسبحان من جعل مبارك مسجون بداخل قفص ربما لم يراه حتى في كوابيسه، ومعمر القذافي مطارداً، وبن علي لاجئاً، سبحان من له ملكوت السماوات والأرض كان بإمكان علي صالح الاستفادة ممن سبقوه والخروج بطريقة لائقة تحفظ له شيء من إنسانيته وتاريخه العظيم ومنجزاته التي لم يسبقه إليها أحد، كما ظهر آخر مرة يمّن علينا بها وكأنها صدقة أو فضل منه، لكنها أيضاً إرادة الله أبت إلا إخراجه بطريقة تليق به كرئيس متخلف ظالم وجبار.
 ربما كان يجب أن يذوق قليلاً من كأس الهوان الذي لطالما أسقاه لشعبه، وهاهو يحاول إعادة سيناريو القذافي وشن حرب على شعب أكرمه وأعزه وتحمله سنوات عجاف، فما تراه يظن؟ إنه قد يعود كما كان بعد أن يقضي على معارضيه ويبيدهم ويدمر البلد ويخربها فوق ما فيها من خراب ودمار.
تحضرني هنا كلمة قالها ابن القذافي المستسلم في أن الحكمة غابت عن ذهن والده، فعلاً كلام في الصميم، إنها الحكمة حين يسد الطمع والغرور منافذ العقل ويمنع الحكمة من الوصول إليها في ظروف كهذه كانوا يحتاجون للكثير منها، وصدق الله القائل "ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً"، وهؤلاء كسبوا من خير الدنيا ردحاً من الزمن وهاهم بعنجهيتهم وغبائهم ضيعوا خيريّ الدنيا والآخرة حين عميت أبصارهم، تاهوا عن سبيل الرشاد وفقدوا الحكمة، حين نسوا أن كل ملك زائل "وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"..
 إضاءة
نعرف الموت الذي يعرفنا
مسنا قتلا ودسناه قتال
وتقحمنا الدواهي صورا
أكلت منا..أكلناها نضال
موت بعض الشعب يحي كله
إن بعض النقص روح الاكتمال
هاهنا بعض النجوم انطفأت
كي تزيد الانجم الأخرى اشتعال
تفقد الأشجار من أغصانها ثم
تزداد اخضراراً واخضلالاً