أن تكون وحيداً، فذلك شيء يجعلك لا تشعر بأي قيمة لوجودك، لو أنت ساكن في الأرض وحدك وكل ما فيها ملكك أتحداك تحس بأي سعادة أو قيمة لحياتك.
أتصور والله أعلم أن الأيام التي قضاها أبونا آدم في الجنة بدون أمنا حواء كانت كالفيلم الصامت وأن الله أشفق عليه من الوحدة، فخلق حواء من ضلعه لتكون له مودة ورحمة، وخلطة المودة بالرحمة هي قمة الرومانسية الحقيقية بين الزوجين، لكن الحياة ليست رومانسية فقط، ولذلك كان وجود أمنا حواء مصدراً للحركة والأكشن في الوجود والحياة وتنامي الأحداث وتغير الأمكنة والأزمنة واكتشاف الصح من الغلط وتمييز الخير من الشر وتجربة الثواب والعقاب.... إلخ.
حياتنا المتتابعة منذ وجود أبينا آدم وأمنا حواء حتى اليوم تتكرر فيها الحياة بذات السيناريو والأخطاء، أول ثلاث مصائب في تاريخ البشرية كانت أسبابها:
الأول: الرغبة في الخلود وملك لا يُبلى ( وانتهت بتزفير أبينا آدم وأمنا حواء من الجنة).
الثاني: فلسفة الحسد وحب الذات المدمرة ( ليش ربنا يتقبل منه وأنا ما يتقبل مني؟ ليش أخي معه وأنا ما معي؟ ( قصة هابيل وقابيل).
الثالث: سفك الدماء ( الجن كانوا سكان الأرض، فلما أكثروا سفك الدماء جعلنا الله خلائف في الأرض بدلاً منهم).
تعالوا شوفوا واقعنا اليوم ستكتشفون أن الأسباب الثلاثة ذاتها هي سبب كل المصائب والبلاوي التي تحدث لنا:
كل المصائب السياسية التي تحدث في الدول النامية والعربية خصوصاً سببها الرغبة في الخلود فوق الكرسي، وقديماً قيل السلطة مفسدة، الله يرحمه الشهيد علي عنتر كان يسمي السياسة أو الدبلوماسية "الدبلسة" على وزن "الأبلسة"، وسبب نجاح الدول الغربية والمتقدمة سياسياً هو أنهم ألجموا الرغبة الإنسانية للخلود في السلطة بالديمقراطية والمحاسبة والتقييم والنقد ومكافحة الفساد، فأصبحت السلطة مغرماً لا مغنماً ومسؤولية همها أكبر من فائدتها، وكله كوم وحكاية الوزير الصيني اللي قدم استقالته، لأنه ركب قطار او ترام بتذكرة مجانية كوم لحاله.
تعال شوف المسؤولين في بلادنا بيولدوا وكل واحد مختوم في جبهته رزقه ومنصبه ووزير هو أم وكيل، طوال عقود متوالية والوجوه ذاتها لم تتغير مع أننا في بلد فيه اثنين وعشرين مليون نسمة، ومع ذلك تجدهم طول الوقت وهم مثل الكراسي الموسيقية يتبادلون الكراسي مبادلة وزير العصيد يسوقونه وزيراً للسلتة ووزير السلتة يمسك وزارة الشفوت.
وكل المصائب الاجتماعية والاقتصادية التي تحدث سببها الحسد والأنانية وحب الذات ويندرج تحت هذا البند الاحتكار وافتعال الأزمات ورفع الأسعار والغش والتطفيف، كل واحد يتعامل بمنطق نفسي نفسـي يالله يموت أخي أدفى بشملته وبعبارة مختصرة لا يوجد أي مبالاة بالمصلحة العامة المصلحة الشخصية والقبلية تفرض نفسها على كل شيء في الواقع، الناس يفسدون المسؤولين، لأن كل واحد يشتي يزيد على صاحبه وكل يريد أن يستعضل بقدراته والتعصب موجود بدرجة تجعل الغاية تبرر الوسيلة لا تقررها.
الأخ يشارع أخاه أربعين سنة علشان لبنة أو لبنتين، قصر الكلام : ما احد بيحب لاخوه ما يحب لنفسه.
وكل المشاكل النفسية والإنسانية والاقتصادية والسياسية سببها سفك الدماء، ووجود مستفيدين من الحروب، والتعصب، وتلاشي روح التسامح، والنميمة وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانقراض الحكماء الذي يلتزمون بمهمة إصلاح ذات البين، الثأر يصل في بعض القرى إلى مائة ومائتين قتيل وتستمر عقود زمنية.
باليمني العصيد التاريخ يعيد نفسه ويا شماتة الجن فينا.
حسبنا الله ونعم الوكيل.
سبحان الله عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
ويا محبي النبي صلوا عليه.
ghurab77@gmail.com
أحمد غراب
باليمني العصيد 2464