الكثير من قادة العالم العربي نسوا أنهم خلقوا من طين وأنهم بلا ريب فيه سيدفنون ولن يبقى حولهم حراس ولا جيوش مدججة بالسلاح تحميهم من 'منكر ونكير' نسوا أن حياتهم محددة بعدد من السنين لن تزيد ساعة إذا جاء الأجل، سيسير المنافقون والكذابون والانتهازيون وكبار اللصوص خلف جنازة ذلك الحاكم العربي يبكون مصالحهم التي حتما ستتعرض للاهتزاز المروع في حقبة النظام القادم، ولهذا سيستميتون من اجل البقاء في مواقعهم ولو على أسنة الرماح.
أضرب مثالاً من واقع حياة أمتنا العربية، في اليمن الشقيق حاكم مستبد ظالم تنعم بخير أهل اليمن لأكثر من ثلاثين عاماً، تربى أولاده وزوجاته في نعيم الدنيا وأثرى من حوله عصبة من الانتهازيين والفاسدين والبغاة فشكلوا قوة مسلحة لحماية الحاكم وعصابته لا لحماية الوطن والمواطنين، الحاكم اليمني عبدالله صالح رأى الموت بأم عينه في حادثة محاولة اغتياله وخرج من غيبوبته في مستشفيات الرياض مشوه الوجه مربوط اليدين والرجلين لا يقوى على الحراك وأول نطق له كان إصراره على التمسك بالسلطة وتوريثها لنسله وأسباطه وحاشيته الفاسدة ولو على خراب اليمن كله.
ما كان عبدالله صالح الحميري أن يكون بذلك العنف والطغيان إلا إذا شاركه بعض الناس، وباركه بعضهم، وسكت عنه آخرون، وأغراه الباقون، إن أهل كل عصر مسؤولون جميعاً عن طغيان وفساد وظلم الحاكم في عصرهم، إنهم مسؤولون عن جنونه لأنهم ألهوه وأوحوا له بقبولهم ظلمه وطغيانه، ولأنهم لم يتدخلوا لمنعه والحد من جنون عظمته.
أقسم بالله العظيم لو امتنع الممولون عن تمويل الجماهير المحتشدة في ميدان السبعين تأييداً لعبدالله صالح لما بقي في ذلك الميدان مخلوق واحد ينادي ببقاء صالح في سدة الحكم، بكل بساطة من سيدفع تكاليف نقلهم من الفيافي والقفار إلى ميدان السبعين ومن سيتكفل بإعاشتهم ومبيتهم، لأنهم قادمون من خارج صنعاء وأوضاعهم المالية متردية ومن المشاهدة يمكن الحكم على هتافاتهم بحياة الرئيس بأنها على قدر السعر المدفوع، بينما في الساحات الأخرى الوضع مختلف كلياً ولا تمكن مقارنة أصحاب ميدان السبعين أصحاب مصالح عينية لحظية، بالآخرين تحشدهم من أجل وطن وحقوق وكرامة وسيادة واستقلال وشتان بين قوة أهل الحق وقوة الانتهازيين.
وما هو الحال في سورية الحبيبة؟ في تقديري ما يجري في بلاد الشام جريمة عصر ستبقى محفورة في صفحات التاريخ، النظام السياسي في دمشق استخدم كل أنواع القوة لإخضاع شعب أعزل لإرادة الحاكم، قتل وسحل وتعذيب حتى الموت أو الإعاقة الدائمة، كل ذلك يجري في سورية الحبيبة ضد الشعب الذي طالب بالإصلاح والعدالة والمساواة والكرامة وتداول السلطة. هذا النظام حكم سورية ما يزيد عن الأربعين عاماً، فماذا قدم للشعب السوري والوطن، لواء الاسكندرون ضاع في صمت رهيب، والجولان شاهد حال قائم تحت الاحتلال الصهيوني دون حراك لاستعادته سلماً أو حرباً وجيشه ساهم في تدمير العراق جنباً إلى جنب مع جحافل الغزاة من عام 1990 وحتى اليوم وقبل ذلك سخرت كل الموارد السورية لصالح إيران أبان الحرب العراقية ــ الإيرانية دون استشارة الشعب السوري، بل إن كل تلك الأعمال كانت ضد إرادة الشعب السوري العظيم.
يقولون بأن الجيش والأمن والمخابرات السورية يتصدون لمؤامرة كبرى على سورية المقاومة والممانعة، وإنهم يواجهون مسلحين يريدون كسر موقف المقاومة والممانعة، ونكتشف أن المسلحين هم أزلام النظام بلباس مدني، لكنهم مدربون ومسلحون، يقولون لا أحد يتحدث عن القتلى من رجال الجيش والأمن ونقول منهم القتلة؟ إنهم شبيحة النظام والمرتزقة.
الحال يا سادة في الشام هو حال أهل اليمن شبيحة وبلاطجة وجيش فئوي لخدمة النظام لا لخدمة الوطن ولا إصلاح ولا صلاح ولا عدل ولا استقرار ولا سيادة ولا مساواة ولا كرامة لأمة إلا بموافقة الحاكم ورضاه إلى جانب أهله وذويه.
إلى أين المسار في كل من اليمن وسورية؟ كل الدلائل تشير إلى مستقبل دام ومخيف، النظامان يعملان بطرق مباشرة وغير مباشرة لإشعال حرب أهلية لن يكون النظام السياسي الرابح في هذه الحرب، لكن البلاد ستتقسم إلى دويلات والرابح هو العدو الصهيوني، أو الدفع بقوى أجنبية للتدخل في الدولتين بحجة حماية المدنيين والنتيجة معروفة وهي النموذج العراقي، الملاحظ أن الحكومة العراقية الآتية من رحم الاحتلال تعمل بكل قوة لاجتثاث حزب البعث، لكنها تؤيده وتسانده في سورية، فهل يعني ذلك أنها تؤدي وظيفة إيرانية في المنطقة؟.
آخر القول: أما آن لهؤلاء الحكام أن يحكموا العقل لخدمة الأمة والوطن لا لخدمة مصالحهم وحاشيتهم والانتهازيين من حولهم، أما آن لهم أن يعلموا أن إرادة الشعب من إرادة الله وأن الله على نصره لقدير.
نقلاً عن القدس العربي
د. محمد صالح المسفر
الحاكم العربي ظالم ومستبد 1875