;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

متى يستيقظ ضمير النائم العام 2751

2011-09-04 02:34:54


استيقظ ضمير المدعي العام لحماة، وخرج يقول للناس بجرائم النظام السوري، ويعلن براءته من الظلم ومن الظالمين، فمتى تستيقظ الضمائر التي ترى القتلى على الشاشات ثم تمغض أعينها ولا تبالي، وتسمع دوي المدافع من أرحب على بعد أربعين كيلو متر من العاصمة ثم تكمل نومها، وتغط في مرقدها، وتشاهد الجثث متفحمة، والأجساد ممزقة، والأشلاء متناثرة، والبيوت مهدمة، والمساجد مدمرة، والمشردين بعشرات الآلاف، وتغض الطرف عن ذلك كله، وكأن شيئا لم يحدث؟
استيقظ ضمير المدعي العام لحماة لأن في ضميره بقعة ضوء أنارت له الطريق، فاستضاء بها، واختار الاختيار الصحيح، لم يكن العمى قد أطبق على بصيرته كلها، {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46) سورة الحـج. قد يحدث في الضمير كسوف أو خسوف كالذي يحدث للشمس وللقمر، ولكن على الشخص نفسه أن يعمل على تجلية ضميره حتى يعود فيه الضوء والنور.
استيقظ ضمير المدعي العام لحماة لأن في ضميره جانب حي، منحه الحياة في بقية أجزاء الضمير، لأن الحياة تهدي، {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} (122) سورة الأنعام. قد يحدث للضمير موات، أو شلل جزئي أو كلي لكن على صاحبه أن يسعى بكل جهده لإحياء ضميره، فإن شر الناس من يعيش بينهم وضميره ميت.
استيقظ ضمير المدعي العام لحماه لأن الشجاعة التي في قلبه ما زال فيها جذوة لم تنطفئ بعد، ما زال لديه بقية من الرجولة التي ترفض الظلم، وتأبى السكوت على جرائم المفسدين المعتدين، وتستنكر فعال الظالمين، ولا تقبل أن تكون جسرا يسير عليه الظلمة إلى مآربهم، ولا دابة يمتطيها الظالمون إلى مقاصدهم، ولا نعلا ينتعله ظالم ليقضي به وطره حينا من الدهر ورحم الله حمد شوقي وهو يقول:
بني سورية اطرحوا الأمانـي    وألقوا عنكم الأحلام ألقوا
فمن خدع السياسة أن تغروا    بألقاب الإمـارة وهي رقُّ
استيقظ ضمير المدعي العام في حماة لأن ضميره لم يعد يتحمل أن يتخذه النظام القاتل آلة عمياء في محاربة العدالة، وهو المطلوب منه حمايتها، أو أن يجعل منه أداة تتستر على القتلة وهو المنوط به الأمر بإلقاء القبض القهري عليهم، ولا أن يصبح وسيلة رخيصة لإبطال الحق، ولب عمله هو إحقاق الحق وإبطال الباطل.
لم يسمح لنفسه أن يكون جزءا من الجريمة وهو منصوب في الأساس لمحاربتها، ومحاربة أهلها، فأطلق صرخته عالية مدوية، ولم يقبل أن يعيش على حساب موت الآخرين، ولا أن يكون مرتبه ثمنا للصمت على جرائم القتل، والبطش، والتدمير، والتعذيب، والاختطاف، ولا أن يكون خبز طعامه من جثث القتلى وشرابه من دماء أبناء شعبه، ولا أن يكون ضحكه على حساب بكاء المظلومين، ولا أن تكون سيارته ثمنا لسكوته، ولا أن يكون منصبه رشوة مقابل خدمات غير قانونية.
استيقظ ضمير المدعي العام في حماة، لأن واجبه الديني والوطني والأخلاقي والإنساني يقتضي أن يقف ضد الظلم، وليس مع الظالم، أن يدين القتل لا أن يشارك القاتل بالفعل أو الصمت على جرائمه، أن يحاف من الله لا أن يخاف من مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره موتا ولا حياة ولا نشورا، فالخوف من الله وحسابه خير وأبقى، قال الله تعالى: {لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (51) سورة إبراهيم.
استيقظت فيه الروح الوطنية التي تقتضي أن يحب الإنسان شعبه وأمته وأن يتبرأ من القتلة، فلا حكم للقتلة، فالشرعية تسقط عن أي حاكم مع أول قطرة دم طاهرة من جسد البطل الشهيد، فإن وظيفة الحكام حفظ الدين والنفس والمال والعقل والعرض، وتحقيق مصالح العباد، ودرء المفاسد ومحاربتها، وتعظيم المنافع، والسعي لتحصيلها، فإذا أجرموا سقطت شرعيتهم، وصار الواجب إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للعدالة، فالحاكم مثل إمام الصلاة نتابعه ما لم يفعل ما يبطل الصلاة، فإذا فعل ذلك سقطت شرعيته وحرم اتباعه. وبطلت صلاة من اتبعه في المفسد.
استيقظت فيه الروح الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، فالقتل بغير الحق جريمة عند الناس جميعا، وفي كل الشرائع السماوية والأعراف البشرية، والتقاليد المجتمعية، والقاتل مبغوض من كل نفس، مكروه من كل أحد، منبوذ من جميع الخلق، ولا يقبله إلا من هو مثله، أو على شاكلته، أو من نفس طينته.
استيقظت فيه القيم والأخلاق المركوزة في النفوس، فالإنسان بطبعه الأخلاقي المجرد يحب معالي الأخلاق، ويكره سفاسفها، الإنسان بطبعه يحب العدل ويكره الظلم، ويقدر عاليا العادلين، ويبغض الظالمين من كل قلبه، والإنسان بطبعه يحب الشجاع الذي يقول كلمة الحق، ولا يحترم الذي يخون أداء الأمانة، والإنسان بطبعه الأخلاقي يفتخر بمن يقف المواقف الشجاعة فيوثق الجرائم في موقعه الذي هو فيه ثم يعلنها موثقة كما صنع المدعي العام لحماة، فأثبت للناس جميعا أن الضمير الحي هو الإنسان في معناه الحقيقي، وأن يقظة الضمير هي اللحظة الفارقة في حياة كل إنسان، وأن كل صمت وراءه بطولة في خدمة العدالة، وتوثيق جرائم المعتدين، وإعداد ملفاتهم للمحاكمة، فهو صمت محترم، وصاحبه بطل، ويستحق الإشادة به، والتقدير لمجهوداته.
إن الحياة والأحياء وأهل الأرض وأهل السماء يمجدون من يقف مع الحق ضد الظلم من ينصر المظلوم ليأخذ حقه من ظالمه، من يلقي القبض على القاتل ليقدمه للعدالة، من يضع القيد في يد المجرم جزاء جرائمه، من يمنع الظالم من ارتكاب الظلم بكل وسائل المنع، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما". فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره"
وتلعن الحياة والأحياء القتلة، ومن يقف معهم، والمجرمون من يقف في صفهم، والصامتون على جرائمهم، والمتفرجون على القتل والظلم من الفئة الصامتة، والله تعالى يقول: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79)} سورة المائدة
هل يظن الصامتون والمتفرجون أن عملهم هذا لن يحاسبهم الله عليه، إن هذا مخالف لما في الكتاب العزيز، فقد قررت آيات القرآن الكريم أن النجاة لمن ينهون عن السوء، قال الله تعالى في قصة القرية التي كانت حاضرة البحر، {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } (165) سورة الأعراف.
هيا انزل المظاهرة، هيا شارك في المسيرة، هيا كن حرا واعتصم في الساحات، هيا كن عونا للحق، فصمتكم يقتلنا، وموت ضمائركم يكبت وطننا جميعا.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد