في كلمته التي ألقاها بمسؤولية وقوة ضمير والتي حملت مضامين وطنية تجسد في دلالاتها عمق الانتماء إلى الثورة السلمية والالتزام المبدأي بالانتصار للوطن وثورته قدم اللواء علي محسن ـ قائد الفرقة الأولى ـ ما يستحق الوقوف أمامه باعتباره يشكل المعادلة القوية لصالح الثورة من أول يوم أعلن فيه هذا الموقف الشجاع، الذي يضعه وطنياً وأخلاقياً في مستوى ما هو ضروري لا يقبل الانزياح أو التواري إلى وراء ستار..لذلك كانت كلمته واضحة تماماً، لا تحتاج إلى أبعد من السطور ولا البحث عن متاهات كما يحلو لمن استهوتهم صناعة الأزمات.. لقد شخص الموقف وطنيا على عكس النظام الذي يذهب إلى شخصنه الثورة في أسماء معينة وكأنه صراع قوى محددة استغلت الشباب للزج بهم في أتون صراعات هذه الأسماء، لذلك كثيرا ما نسمع أن الثورة سرقها عليهم قوى لها مصالحها، وهي محاولة لم تعد تنطلي على الجماهير التي ترى الثورة خلاصاً من طغيان وظلم، كما أنها باتت تقليعة لا تستهوي حتى أنصار النظام أمام الحضور الجماهيري الرهيب الذي تجسد في صورة الوطن وحضور الشعب لصلاة العيد في مختلف محافظات الجمهورية وهو حضور مبهر ومبعث فخر القوى الوطنية واستفتاء لا يحتاج بعده إلى من مزيد..
وهنا فقط تكون كلمة اللواء/ علي محسن في سياقها الصحيح وهو يكشف عن تصميم قوي ويقيني بانتصار الثورة، نابع من فهم المعطى الواقعي، من الملايين تهتف بالنصر لأرادتها..ومن القدرة على الصبر والمثابرة وقوة الإرادة، رغم ممارسات النظام القمعية وهوايته في استلاب الوطن، الحرية وممارسة الحصار بشتى السبل.
(ورغم مرور أكثر من سبعة أشهر من المعاناة التي يتكبدها أبناء شعبنا العظيم من قطع للكهرباء وافتعال لأزمة الغاز والبترول والديزل وانعدام للمياه ومحاولات لتشويه مظاهر الحياة العامة إلاّ إنكم بثباتكم وصبركم الأسطوري وسلميتكم المنقطعة النظير تؤكدون أنكم أصحاب حق، تتوجون هذه المطالب بثباتكم وإصراركم على سلميتكم رغم ما تعانونه وما تتكبدونه، وأن الإتهامات التي يتشدق بها بقايا النظام وأتباعه ويسترزقون بها ويكيلونها لكم أيها الأحرار وللأحرار بالفرقة الأولى مدرع والجيش المؤيد للثورة ما هي إلاّ مبررات أضحت مكشوفة وتفضح نيتهم للاعتداء على ساحات الاعتصام في عموم محافظات الجمهورية والفرقة الأولى مدرع).
هذا الاستيعاب الدقيق لما يعمل من أجله النظام في إفشال الثورة بات مكشوفاً وهو كشف يمد القوى الوطنية بمزيد من الوثوقية في مواجهة المؤامرة ويفتح رؤية ثاقبة للتعامل مع هكذا نظام يسعى إلى خلق مواجهة على إثرها يعتدى على الثوار في الساحات، ليس من عتاد عسكري حديث وترهيب وطن واستعراض عضلات ولكن من شرف المواجهة، انتصاراً للثورة يستمد منها الوطنيون المعين القوي الذي يهزم أعتى قوة أمام إرادة شعب وعظمة وطن وقوة ضمير أخلاقي أكد عليه اللواء علي محسن حين أوضح أن لا معنى لأي قرابة تربطه بالنظام أمام الواجب المقدس الذي يمليه عليه أخلاقياً ودينياً ووطنياً لمصلحة الشعب العليا مهما كانت هذه القرابة فإنها تجفل حقيقة إذا ما تمثل المرء مصالح شعبه وغاياته العليا التي لا تعلو عليها غاية أخرى.
يقول:( أما ما يطرحه بقايا النظام أن واجب القرابة التي تربطني بهم كانت تحتم الوقوف إلى جانبهم فهذه أضغاث أحلام وهم واهمون، فأحرار سبتمبر من أقارب الإمام لم تمنعهم قرابتهم من الانتصار لمطالب شعبهم من أمثال الفقيد العميد/ يحيى المتوكل وعبدالكريم المنصور ومحمد مطهر وعلي قاسم المنصور وعلي المؤيد وغيرهم الذين كانوا طلائع لثورة سبتمبر، وأنا شخصياً لم تمنعني قرابتي من بقايا النظام من الانتصار لمطالب الشعب وحقوقه، فأنحزت للشعب امتثالاً للحق والحق أحق أن يتبع، وإنني أقدس في ضميري الفقه الحر الذي يجيز الخروج على الظالم كائناً من كان).
إذا القضية لا تخضع لمساومة ورغبات وعلاقات، باعتبار القضية هنا مفصلية بين الخير والشر ولعل قائد الفرقة الأولى وهو ينحاز إلى مطالب وطن وشعب يفصح عن قوة التمسك بالمبادئ وينصح بقية النظام والرئيس صالح أن لا يتبعوا خطوات الشيطان (القذافي) حتى لا يصل بهم الأمر إلى ما وصل إليه، غرور وغطرسة القذافي أمام شعب إرادته من إرادة الله..
وهنا تبرز الحكمة والحرص في دعوة خيرة للنظام للخروج بمستوى طيب، ويقدم نصيحة مجانية له باعتبار انه يأمل ويتمنى إلا يصل علي عبد الله صالح إلى مستوى ما وصل إليه سابقه القذافي، ليس ضعفاً وإنما من منطلق الاستجابة لإرادة شعب وقوة وطن وفي ذات السياق يؤكد درايته بما قد يرتكبه النظام من حماقات ويدعو الشعب إلى اليقظة من محاولة جره إلى مربع العنف.
وفي كل الأحوال طرح اللواء علي محسن جملة من القضايا والحقائق أهمها:
1- الشعب إرادته قوية لا تلين في الانتصار للثورة كمطلب وطني.
2- لا تخضع مصالح الشعب العليا للمساومة والعواطف والقرابة أمام نداء الواجب، نداء الضمير.
3- وعي الجماهير بما قد يحاك عليها من مؤامرات لإفشال الثورة.
4- التمسك بسلمية الثورة من موقع قوة وإرادة شعب.
5- إن الرئيس علي صالح لم يعد بمقدوره امتلاك القرار بنفسه، فهناك عوامل عديدة وضغوطات داخلية وخارجية تعيق اتخاذه القرار بمعنى أنه بات مستلباً لسيادته الرئاسية.
6- رغم الإيمان العميق بسلمية الثورة إلا أن الجيش يبقى الحاسم في الانتصار للوطن ولديه القدرة والفعل والثبات من أجل ذلك....
وتبقى الكلمة في سفر العمل الوطني وثيقة تاريخية مهمة تعبر عن توجهات القوى الحية والفاعلة وتصميمها على استكمال الثورة، بمعنى ما الكلمة تلخص موقف وتحدد خيار مسؤول، فهي وثيقة وشاهد تاريخي لفعل ثوري نبيل انبنى على الحق والخيار السلمي رغم حجم المؤامرة والعقوبات في حق من ينادون بالحرية.. الكلمة في مجملها بالقدر الذي تضع الجماهير أمام الحدث الثوري بأبعاده هي أيضاً تكشف اعتمالات ما يعرض الوطن للخطر لتبقى المسؤولية تاريخية ووطنية.
محمد اللوزي
كلمة اللواء/ محسن.. المعادلة القوية لصالح الثورة 2498