منذ انطلاق الثورات العربية المتنقلة، جرى إسقاط الرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك، ثمّ توقفت العجلة الثورية عن الدوران مع دخول ليبيا في حرب مفتوحة بين الثوار ونظام العقيد معمر القذافي، بمشاركة حلف شمال الأطلسي، وتشبث الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في السلطة، فيما لا تزال التحركات السورية تحبو ببطء على طريق تغيير النظام أو الحصول على الحد الأقصى من الإصلاح، الذي لا بد أن يعني في النهاية تداول السلطة.
الثورات توقفت عند عتبة الرئيس المصري، وباتت حركتها يومية من دون أي نتائج ملموسة، حتى بدأ حديث خافت عن عدم الجدوى، وأن ما حصل في تونس ومصر لا يبدو في طريقه إلى التكرار، حالة من الإحباط أخذت تتمدّد في أوساط الشارع الثائر، الذي دأب على تشييع شهدائه من دون أن يرى معطيات ملموسة لتضحياته.
لكن مع التغيير المفاجئ والسريع الذي حصل على الساحة الليبية، وانهيار نظام العقيد معمر القذافي، عادت الروح إلى حركة الشارع، الذي عاش فرحة سقوط العقيد، وكأنه حقق الإنجاز المنتظر.
هذا ما كان عليه الحال في اليمن على الأقل، الذي خصص احتفالات في ساحتي التغيير والحرية في صنعاء وتعز، متأملاً أن ما شهدته ليبيا سيدفع مجدداً حجارة الدومينو إلى التدحرج، ولا بد أن يكون الرئيس علي عبدالله صالح التالي في قائمة الزعماء المهددين بالسقوط.
لكن الكثيرين بقوا على حذر في الاحتفال، لا سيما أنهم لا يريدون تكرار النموذج الليبي بحذافيره على أراضيهم، بما يعني ذلك التدخل الدولي المباشر في مسار حركة الشارع وتوجيهها، فشبح التدخل الدولي يقلق الكثير من الثائرين في البلاد العربية، وخصوصاً في سوريا، حيث يدرك المعارضون أن أي تدخل دولي لن يبقى عند حدود هذا البلد، بل سيمتد إلى المحيط الأوسع، وربما المنطقة بأسرها، وعلى هذا الأساس عبّر المعارضون السوريون عن تهنئتهم بالنصر الليبي، لكنهم حذروا ضمناً من تكراره على أراضيهم.
غير أن النموذج الليبي لا بد أن يحمل دروساً للزعماء الذين يواجهون حركة اعتراضية، ويرفضون تقديم تنازلات.. درس عبّر عنه الأتراك بشكل مباشر، إذ نقل التلفزيون التركي الرسمي «تي. آر. تي» عن وزير الخارجية أحمد داود أوغلو قوله إن «ما يحدث في ليبيا درس لزعماء المنطقة، وهو يظهر أن الزعماء الذين لا يصغون إلى شعوبهم لا يمكنهم البقاء في السلطة».
النموذج الليبي، بمشاهده الملتبسة، لا أحد يتمنى أن يتكرر في أي من الدول العربية التي تشهد حركة احتجاجية، لكن الدرس لا بد أن يصل سريعاً قبل خروج الأمور عن مسارها الصحيح.
الدستور الأردنية
حسام كنفاني
درس ليبيا ...... 1618