حين نقرأ تاريخ المسلمين القديم من أيام الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم إلى من جاء بعده من الخلفاء الراشدين ومن تبعهم من القادة والفاتحين تتعجب من سيرة أولئك الرجال وشجاعتهم وإخلاصهم لدينهم وولائهم لربهم ونبيهم، بل وثقتهم بأنفسهم وبعدالة قضيتهم والتفافهم حول هدف واحد هو نشر دين الله في كل بقاع الأرض بالعدل والرحمة وكيف مازالت بطولاتهم وفتوحاتهم وسيرتهم العطرة تملئ النفوس زهوا وفخرا فما السر وراء وصولهم إلى تلك الدرجة الرفيعة من الرقي في الأخلاق والتعامل مع الأحداث حتى استطاعوا أن يسجلوا أسمائهم في صفحات التاريخ بحبر من ذهب ولازالت ذكراهم تعطر الوجود وتشع نورا في القلوب حين تقرأ ذلك التاريخ المشرق لابد وان يدور في ذهنك سؤال عن سر تفوقهم وهبوطنا نجاحهم وفشلنا مع أننا من نسلهم وجذورنا نابعة من تربتهم وديننا تعلمناه منهم حاولت أن اجري مقارنه بسيطة بيننا وبينهم وبين حياتهم وحياتنا التي من المفروض أصبحت أسهل وكل شيء صار متوفراً وفي متناول أيدينا.
فلنبدأ من حياتهم البسيطة والمتواضعة والسهلة حيث، كانوا يعيشون في أرض رحبة حولهم الماء والشجر يستنشقون هواءً طبيعيا ويشربون ماء طبيعي لا ملوث ولا مصفا بيوتهم من الخيام أو الطين لا أثاث ولا أسوار وطعامهم طازج من صنع أيديهم لم يكونوا يحتاجون للثلاجات لأنهم لا يدخرون الطعام فيومهم عيدهم وغدهم على ربهم ربما لذلك كانت عقولهم مستنيرة وهمتهم عاليه ونفوسهم شامخة.
نحن نعيش في شبه مدن بيوت من حديد واسمنت ضيقة متلاصقة وإن كانت واسعة ملأناها بالأثاث والديكورات بحاجة وبغير حاجة حتى تضيق علينا وتخنقنا، فتجد كل أفراد الأسرة خارج البيت شوارعنا ضيقه يملؤها الصخب والضجيج نمشي فيها وكأننا آلات متحركة لا يرى احدنا الآخر ،أناس يمرضون من التخمة وآخرين لا تكاد تظهر ملامحهم من شدة الفقر والجوع.
زمان كان الرجال يقضون أوقاتهم في طلب العلم أو الجلوس إلى العلماء فكانت حياتهم إما جهاد في سبيل الله أو ترحال في طلب العلم ونشر الدعوة.
اليوم الرجال تقضي مجمل أوقاتهم أمام التلفاز أو في الأسواق أو مخزنين (وهذا خاص بنا كيمنين) لا يرغبون في العلم إلا من أجل الشهادة والشهادة من أجل الوظيفة، لكن إذا ما فتشت في دهاليز عقولهم ستجدها خاوية لاوعي ولا علم ولا ثقافة لا يكاد أحدهم يفقه قولاً، يفضلون الحياة الرخيصة السهلة ويخافون من الموت أكثر من خوفهم من الله الذي سيسألهم عن شبابهم فيما أفنوه.
زمان كان القرآن الكريم شرعهم ودستورهم، لذا كان الأغلبية حافظين لكتاب الله متفقهين في الدين كما قال عمر ابن الخطاب: كنا نحفظ القرآن خمساً ولا نحفظ غيرهن حتى نتم العمل بهن، وضع تحت هذه الجملة أكثر من خط.
اليوم حفظ القرآن مخصص للنساء للبركة ودخول الجنة، أما الرجال فحفظهم مقصور على المطاوعة الذين ينظر إليهم وكأنهم جاءوا من كوكب آخر، ربما لأنهم لا يتمثلون القرآن خلقاً ومعاملة من عمره سمع عن حاكم عربي في عصرنا حافظ للقرآن أو يصلي مع عامة الناس.
زمان كان للمرأة مكانة رفيعة ومنزلة مصانة وكان عرضها وشرفها يعني المجتمع ككل، لذا حين صرخت امرأة مستنجدة وا إسلاماه قامت معركة من أجلها.
اليوم المرأة تعاكس في الشارع وتهان وتتعرض للأذى أمام أعين الجميع وتضطر للصمت قهراً، لأنها لو صرخت طالبة النجدة لأدار لها الكل ظهره باعتبار أنها لو كانت محترمة ما خرجت من بيتها.
زمان كانت بيوت الله هي ملجأ المؤمنين وسكن أرواحهم ومهوى أفئدتهم, وصلاتهم هي أهم من أي شيء وقبل كل شيء لذا كانت المساجد على بساطتها وتواضع بنائها إلا أنه يخرج منها رجال عمالقة ملأوا الكون عدلاً وعلماً.
اليوم المساجد تشكو هجر الرجال لها وانشغالهم في أمور الدنيا، يتذكرونها يوم الجمعة فقط وباقي الأيام هي للشيوخ من كبار السن ومع كثرتها وزخرفة بناءها إلا انه كلما تطاولت الأعمدة تقزم الرجال وشتان بين رجال وهبوا حياتهم لدينهم وآخرين باعوها بمتع الحياة الرخيصة، قال تعالى (رجال لا تلهيم أموالهم ولا تجارتهم عن ذكر الله) رجال صنعوا التاريخ بأفعالهم العظيمة وآخرين لا يكادون يذكرون فيه إلا بسيئات الأعمال وبحبر أسود.
زمان كان زمان المسلمين الذين صنعوا انتصاراتهم بأيديهم وحكموا مشارق الأرض ومغاربها بالعلم والعدل والإيمان، واليوم حتى معركتنا مع حكامنا لا ننتصر فيها إلا برضا وعون من أمريكا التي كلما دخلت بلداً دمرت تاريخه وأضاعت ملامحه وجعلت أعزة أهله أذلة .
زمان يعني كان وكان فعل ماضي ناقص والناقص هو من نسي ماضيه وضيع حاضره.
جواهر الظاهري
الفرق بين رجال ورجال ! 1871