يُخيل للمرء أنه في بيته حُراً وخارج بيته حُراً وخلف القضبان مسجوناً ولكن هذا ليس بالضرورة فليس كل السجناء مسجونين خاصة أولئك الذي قذفتهم يدُ الظلم بين الجدران والقضبان فقط لأنهم نطقوا الحق!!.
الحرية نعمة عظيمة وإحدى الحقوق المناشد بها لذا ترفع شعارات المطالبة بها الشعوب والأفراد الواقعون تحت تأثير الظُلم ...
بعيداً عن السياسة وملامسة للإنسانية المكنونة، فالسجناء بشكل عام وأخص بالذكر سجناء الحق وهم أولئك من لا ترحمهم يد تبطش يسمونها (الأمن القومي) , لهم حقوق من المفترض أن لا تتجاوزها يد الظلم وأن لا يعاملوا كحشرات يجب التخلص منها !!.
وددت يوماً زيارة أحد السجون لتلمس حياة من يسكنونها علّي التمس إنسانيتي التائهة فلم أستطع، فالوصول لتوقيع الدخول بات أمراً صعباً، ولكني لمستُ روحياً ما يحدث بسجوننا وكأني إحدى السجينات من خلال يوميات لأحد الأحرار الذي ظنت يد الظُلم بأنها ستُكبل إرادة فذة وستكبح جموح الحق الذي لا يلبسه الباطل ولكنها لم تُكبل شيئاً سوى يدها أمام عيون لا تُقهر .. بل وأطلقت عنان الشعور بالعجز لنفسها أمام مجموعة إنسان لا يرون للظُلم يد تمتد إلا وزادتهم إيماناً بالحق ومناداة به ..
ليس بالسهل لأي منا أن يسكن ولو ليوم خلف القضبان بذنب مقترف، فما بالنا بمن يصدحون بالحق وطالتهم يد الظُلم محاولة تكميمهم وكسر روح التفاني في العمل ليفارقوا – عنوه- منازلهم وأبناءهم وأصدقائهم وسط صراخ ووجع وأنين ليسكنوا زنزانة حديد قضبانها يُندى جبينها إذا ما لمستها يد حُرة لمسجون لم تهزه لهجات العنف ولغات القوة وأساليب التعذيب المتبعة في سجوننا السياسية..
ليضع كل حر نفسه في موضع المسجون، فينظر لنفسه وهو مكبّل ويتعذب جسديا ونفسياً ويأكل ويشرب ما لا يُطاق أكله وشربه ويلتحف البرد وينام على أريكة الظمأ والشوق لعشه الدافئ وآل بيته وهل ستغُمض عيناه إذا عاش لحظات نصفها مظلم في غرفة مظلمة والنصف الآخر يُطل على نافذة الأمل بصباح جديد مضيء ؟ وهل ستُطاق لحظات فيها لا يُغلق باب الحمام – أعزنا الله – على المسجون إلا لدقائق ؟!.
هؤلاء الصناديد ورموز الحق حقٌ علينا أن نرفع من شأنهم ونلوذ بأنفسنا فراراً أمام اتزان ضمائرهم وثبات عزائمهم داخل وخارج ما نسميه نحن (سجن)، بل ونستشعر بإنسانيتنا كمية وماهية المعاناة التي تقع عليهم من أجل آخرون يكتفون فقط بالترقب والانتظار لأطراف أخرى (ربما تكون خارجية )ترفع عنهم المعاناة ويد الظلم ..
هؤلاء وإن كانوا سجناء وهم ليسوا كذلك فهم أحرار إلا أنهم ذو إيمان بأن الحق لا يضيع في الأرض ما دام وأن هناك (الحق) يرى من السماء ,,فالحرية لسجناء الحق في كل بقعه على أرض الوطن الحبيب ..أما أنا فيحز على نفسي تهميش قضاياهم، كونها سياسية والطرف الثالث يُستضاف ببيت خاله , وتركهم يواجهون أدوات الظلم دون تحريك ساكناً منا..
أليسوا كما نحن (إنسان) ولهم حقوق مشروعه منا بالوقوف بجانبهم وإستشعار معاناتهم كما أن عليهم واجبات أمام وطنهم فصدحت يوماً بالحق ألسنتهم وأقلامهم!!.
تحية إجلال واحترام لكل من طالتهم يد الظلم، فآلمتهم وأوجعت قلوب محبيهم فرافقتهم عناية الرحمن دون رحمة من البشر فزادت أرواحهم رواءً بالحرية وان كانوا مازالوا سجناء ....الحرية لهم .
أحلام المقالح
إنسان (2).. سجناء ولكن !!! 1936