حينما كان علي عبدالله صالح رئيساً للدولة في صنعاء ولطول بقائه في السلطة "33" سنة رئيساً وعريفاً وضابطاً عسكرياً 17 سنة ولضحالة تعليمه وثقافته المتقبلنه ترسخت في ذهنيته بعض المسلمات أو الثوابت القطعية وهي التي أدت به لسلوك درب عظيم الأخطاء وبالتالي الانزلاق إلى هاوية العناد السياسي وعدم الإذعان إلى المعطيات الحديثة المتحكمة بالواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي أو لنقُل معطيات العولمة بصيغتها المعاصرة، وهذه المسلمات الكارثية يمكن تلخيصها بالتالي:ـ
أولاً: انه لا يؤمن بحكم المؤسسات أو المأسسة وإن السلطات الثلاث التي ورثها من أسلافه هي عبارة عن حواضن مكياجية تلائم السوق الدولية وهي غير ملزمة لنشاطه الفردي المطلق وقد عبر عن ذلك في بداية التسعينيات من القرن الماضي بقوله: إنه يحكم منذ 1978 بواسطة الهاتف، واستطاع بهذا السلوك السياسي اختيار مسار مضاد لمسار النظام الجمهوري ومضمونه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي وذهب إلى أبعد من ذلك، بحيث استهدف النخب السياسية المدنية اليسارية منها واليمينية والليبرالية، فدمرها كما دمر الطبقة الوسطى والتعليم العلمي الذي هو المصدر الأول للمدنية والحداثة الاجتماعية والثقافية. وخلال السنوات الطويلة هذه حرم دولته من بناء رجال دولة وعوضاً عنهم استقطب إلى الإدارة السياسية والوظيفية عناصر مشوهة تعليمياً وثقافياً ويمكن القول: إن هذه العناصر التي دخلت نادي النخبة قسراً هي عناصر منحرفة ومنافقة وتتسم بالبدانة الذاتية.
وإن الطابع الفاشي والشمولي لهذه المسلمة أفشل كل الملفات المرتبطة بالتنمية الإنسانية وحل المشاكل كقضية الجنوب والوحدة وصعدة وجماعات الهوس الديني وليس ذلك فقط، بل حولت النخبة إلى قطيع من المرتزقة والمتسولين والانتهازيين والوصولويين والفاسدين يعيشون على هامش المشاركة السياسية، بل وتحول البعض إلى حاملي مباخر في موكب لئيم.
ثانياً: ولكي يطمئن على ثبات فعالية المسلمة الأولى فقد الثقة بكل هؤلاء الذين حولهم إلى كومة تضم المرتزق والمتسول والانتهازي والوصولي والفاسد وانتقل فوراً إلى الثقة المبالغ فيها في إطار الدائرة الاجتماعية العائلية الممتدة الضيقة وعبر عن ذلك نظرياً ـ صحفياً ـ حينما أكد أنه يثق بدائرة عائلته الضيقة في تسنم مفاصل الوظيفة العامة العسكرية والمدنية وترجم ذلك عملياً في تقسيم البلاد إلى مناطق عسكرية مولياً عليها أفراداً من عائلته ومولياً آخرين قيادة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي والأمن القومي ووزارة الداخلية، كما استحوذ على قيادة بعض المرافق المدنية الإدارية والتجارية كالطيران وشركة النفط وشركة التبغ والكبريت والطيران المدني، إضافة إلى إنشائه جمعية خيرية وبذلك أفرغ الوظيفة ا لعامة من مضمونها التنموي الإنساني وأعاد الخدمة المدنية إلى عصر ما قبل الانقلاب الجمهوري، وترتب على هذه العملية سيادة ثقافة إدارية متطابقة مع الطابع الفاشي للسلطة الفردية الشمولية والتي ركزت القرارات السيادية والسياسية والإدارية والاقتصادية بيد الفرد الواحد المهمين هيمنة مطلقة على كل سلطات الدولة وطغمته العائلية. وضربت هذه المسلمة الحقوق المتساوية وتكافؤ الفرص بالصميم، إضافة إلى حرمان السلطات الثلاث من الكفاءات والنزهاء، فمثلاً أجريت في وزارة الخدمة المدنية مسابقة لتسنم مناصب الوكلاء ـ مسابقة شكلية ـ ولما فاز صاحب الكفاءة ورسب ضابط الأمن المنافس شطب اسم الفائز الكفء وعين الضباط على الرغم من أن الفائز أكثر كفاءة من النائب الذي نط من ا لقاع الوظيفي حتى نيابة الوزارة.
و 3 يونيو 2011م وضع السلطة في صنعاء في مسار الانتقال الإجباري وهو أمر يؤسس لملامح سلطات دولة من الصعب العودة بها إلى كنه المسلمات المذكورة آنفاً، رغم أن العديد من المتشائمين يرون أن القادم هو مشروع جماعات الهوس الديني، ونحن الآن نتحدث ونطرح المشاريع الإجرائية بصورة غير ممنهجة وتخلو من رؤى متفحصة للواقع السياسي الاجتماعي الذي نعيش، أي أن كل القوى الرئيسية والثانوية لم تقدم حتى الآن" وثيقة حكم" توافقية تعطي للتوازن الدقيق حقه في الميدان، كما أنها تراعي العامل الخارجي..
والسلطة الانتقالية تختلف شكلاً وجوهراً عن انتقال السلطة أو الصلاحيات من اليد اليمين إلى اليد اليسار، السلطة الانتقالية تكون نتاج السيطرة السياسية لقوى الانتفاضة وبدء اتخاذ إجراءات "قرارات" جذرية مدروسة وفي البدء لا بد من تصفية آثار التركة المهولة التي نحن في معمعتها وفيها ملفات بعضها تزكم الأنوف من شدة رمتها وبعضها الآخر خطير مثل ملف جماعات الهوس الديني والجماعات المسلحة، إن الشرط الأساسي للسلطة الانتقالية ليس تقاسم كرسي السلطة الفاشية الشمولية، بل بعقلانية الإجراءات ومدنيتها وهذا الأمر في اليمن مهم لأننا مجتمع متبدون مثقل بثقافة التخلف.
وانتقال السلطة "الصلاحيات الواسعة التي اغتصبها الرئيس" هي عبارة عن استبدال عسكري بعسكري آخر مع الاحتفاظ بكل مكونات النظام السابق وهو أمر يؤدي إلى التضحية بكل شيء بدون الحصول على شيء.
عبدالرحيم محسن
السلطة الانتقالية 2032