هل كان واضحاً بما فيه الكفاية أن ما يحدث في الوطن العربي من ثورات وانتفاضات لن يظل حبيس الجغرافيا العربية، وأنه سيجد صداه في مناطق أخرى من العالم؟ وهل أدركت الأنظمة المتقدمة في عالم اليوم، أن ما يحدث في المدن العربية يمكن أن تمتد آثاره إلى مدنها، وأنه سيأتي وقت تكون معه هذه الأنظمة عاجزة عن ضبط شوارعها المفتوحة على كل الاحتمالات؟
ربما تكون الإجابة عن هذين السؤالين الطويلين بالنفي، لما كان يعرفه المحللون والمتابعون من ثقة هذه الأنظمة بأن ما أنجزته من أفعال إيجابية على المستوى السياسي والاجتماعي، كفيل بأن يصد موجات التأثير الخارجي ويجعل من المستحيل أن تخرج الشوارع غاضبة متذمرة كما حدث ويحدث في بعض الأقطار العربية وبعض أقطار العالم الثالث الفقير إلى الإنجازات والفقير إلى الانضباط، إضافة إلى أن العالم المتقدم ظل هو المؤثر والمصدّر للثورات والانتفاضات، ولا يمكن للمؤثر أن يتأثر أو يشهد انعكاساً في القاعدة التي كان على مدى قرنين على الأقل يراها ثابتة وغير قابلة للاختلال .
لكن ما حدث في بريطانيا في الأيام الماضية يكسر قاعدة تلك الثقة، ويؤكد أن قانون التأثر والتأثير كما يكون من الأعلى فإنه يكون من الأدنى أيضاً، وأنه لا وجود لنظام محصّن ضد المتغيرات ومغلق في وجه المؤثرات الخارجية أياً كان مصدرها ومكان هبوب رياحها، وما يقال عن أن العالم بات قرية واحدة لم يعد وصفاً خيالياً من صنع الشعراء، بل واقعاً يتأكد يوماً بعد يوم وبوتائر أسرع مما كان معروفاً في قانون الحركة في سالف الأزمان، والذين حاولوا فيما مضى من مركزهم تصدير مشكلات النظام الرأسمالي إلى الأطراف ونهب ثروات الشعوب وإفقارها وجعلها عرضة للتقلبات والاضطرابات، كان لابد لهم أن يدركوا منذ وقت مبكر أن تلك التقلبات والاضطرابات سوف تعود إليهم بالأساليب نفسها والصورة إياها دونما نقص أو تحريف، وأن الأطراف قادرة على الرد ولو بعد حين .
وإذا كان لابد من مفارقات فإنها في أساليب التنفيذ وفي مستوى الضرر وتكاليفه، فالخسائر التي يتعرض لها شارع في مدينة عربية لن تكون بمستوى الخسائر التي يتعرض لها شارع في لندن . و”السوبر ماركت” العربي لا يقاس ب”السوبر ماركت” البريطاني، وكذلك المطعم ومشاهد الشغب التي نقلتها الشاشات الصغيرة والنيران المندلعة في الأحياء تبدو أكثر عنفاً واستفحالاً من تلك التي تحدث في عواصم العالم الثالث .
ومن هنا فإن على أنظمة العالم المتقدمة، وقد بات العالم قرية واحدة، أن تعيد النظر في مواقفها وأن ترسم سياساتها على قاعدة هذا التداخل وفي نطاق مبدأ التبادل في التأثر والتأثير واتساع دائرة الحراك الإنساني .
جريدة الخليج
عبد العزيز المقالح
المركز يخضع لتأثير الأطراف 2317