اليمن ـ في التقارير المحلية والدولية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية ـ بلد فقير وهي أكثر بلدان الجزيرة والخليج فقراً، فيها يعيش نصف عدد السكان في حالة من الفقر السافر والبطالة تزايدت الآن لتصل إلى 60% ونيف والأمراض الفتاكة اتسع نطاقها الاجتماعي، وإلى اليمن تصل الأدوية المهربة المزورة أو منتهية الصلاحية، وتصل المواد الغذائية الرديئة والتي لا تصلح للاستهلاك البشري وتصل الملابس المستخدمة ليستخدمها الفقراء..
وفي اليمن يمكن مشاهدة مظاهر الفقر والإذلال وإهانة الكرامة البشرية والتمييز العنصري والعرقي والاجتماعي.. والأهم الآن يمكن اكتشاف أن اليمن تقهقرت إلى عصر ما قبل السيارات أو يمكن تسميته بعصر "الحمير" على الرغم أن سعر الحمير قد ارتفع وانخفضت زراعة علفه بسبب التوسع المخيف لزراعة القات.. والأهم الآن أن العديد من المهتمين بالأوضاع في اليمن لا يصدقون كلام الإعلام عن تدهور الوضع الإنساني الذي يتجه نحو الكارثة ـ لم يصدقني صديقي السعودي في مكالمة هاتفية أنني أعيش منذ ثلاثة أيام من 31 إلى 3/8/2011م، بدون ماء وكهرباء، حيث قرر زيارة منكوبي اليمن قريباً ـ وهذه الكارثة لن تكون جزئية بل ستكون كلية وشاملة وهدفها المعذبين في اليمن الذين سيكون تعدادهم أكثر من 22 مليون نسمة أي أكثر من معذبي جنوب الصومال..
وفي اليمن شبكة كهرباء تتحكم بها السلطة مركزياً في مركز التحكم في "عصر" وخدماتها لاتصل إلى عموم سكان اليمن ومع ذلك تحولت إلى أداة حرب بيد السلطة، جرائها مات العشرات من المصابين بأمراض الفشل الكلوي ومن تعطل أجهزة المستشفيات والمراكز الصحية.. وفي اليمن مياه غير آمنة وبسبب تدهور الطاقة الكهربائية، فإن سكان المدن لا يستطيعون الحصول على المياه حيث وصل ثمن سيارة الماء إلى 7 آلاف ريال.. وفي اليمن حقول نفط وغاز ولكن هذه الثروة تحولت إلى كارثة يشرب من كأسه "25" مليون شبه إنسان.. إنهم يفجرون أنابيب النفط ويضربون شبكة الكهرباء، ثم يصرخون بأن أطرافاً خرافية تقوم بهذه الأعمال ومن وراء ذلك يكسبون مئات الملايين من الدولارات، أما السكان فيعيشون في الظلام ويشترون البترول والديزل بما قيمة الـ 20 لتراً بعشرة آلاف ريال وأكثر.
ويمكن القول بأن كل الخدمات في اليمن قد انخفض منسوبها تجاه "25 مليون نسمة بفعل خطة منهجية وهذا الفعل هو بامتياز ضمن الجرائم المرتبكة ضد الإنسانية ولكنها لم تنخفض تجاه الطغمة السياسية العسكرية والقبلية والتجارية، فهم يعيشون في بذخ الكهرباء والماء والقصور والسيارات الفارهة والمأكل والمشرب السفيه سواء في الداخل أو الخارج وأن وضعهم الإنساني لم يمس وهو عال العال.
وفي اليمن حروب وحروب غير ضرورية وعبثية ومقرفة ضربت الأمل في التنمية والتطور في الصميم.. حروب على كل الجبهات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، ففي الجبهة العسكرية أدت المواجهات في صعدة والتي استمرت خمس سنوات إلى تدمير 90 % من قرى صعدة وتشريد حوالي 250 ألف نسمة وقتل عشرات الالاف من السكان والجنود والضباط وحصيلة ذلك آلاف المعاقين وإتلاف المزارع والاف المعتقلين.
وفي أبين هناك مئات من القتلى وعشرات الالاف من النازحين الذين تركوا زنجبار وجعار والتي تحولتا إلى كتل أسمنتية مدمرة وفي تعز تدمر المدينة تدميراً ممنهجاً وفيها تشرد الالاف من السكان ويقتل الناس بصورة منتظمة وفي حي الحصبة تم تدمير الحي وقتل المئات وتشرد الالاف والأطفال وفي أرحب تتواصل المواجهات بين كتائب حرس الرئيس والمسلحين القبليين والحصيلة مئات القتلى والجرحى وتدمير قرى بكاملها وتشريد الأسر إلى الكهوف، حيث تكاد تنعدم الحياة الطبيعية.. وهناك انتشار ظاهرة السلب بواسطة القتل والتقطعات المسلحة.
وفي الجبهة الاقتصادية تشن الحرب بوحشية، فأسعار كل السلع الغذائية والاستهلاكية ارتفعت أسعارها في الوقت الذي تدنت الأجور بسبب تدهور العملة المحلية وهناك مئات الالاف من الوظائف انعدمت بسبب الاستغناء عن العمال والموظفين في القطاعات الزراعية والصناعية والخدمات وضمرت الخدمات ضموراً بالغ الخطورة كخدمة الكهرباء والماء والنفط بكل مشتقاته وارتفعت أجور النقل بكل أنواعها وسوف يتضاعف المفعول المباشر لهذه الحرب وسوف تعيش البلاد نكبة اجتماعية واسعة وعميقة.
واعتقد أننا بدأنا ندخل مرحلة المجاعة الجزئية والتي تتجلى بعدم حصول أولئك الذين يعشون فقراً مدقعاً على ما يسدون به رمقهم، وهذا الوضع الإنساني المزري في اليمن هي محصلة لتراكم الاستبداد والفساد وانحطاط القيم الايجابية ومحصلة للصمت الرهيب للمعذبين والمقهورين ومحصلة لتواطؤ وتخاذل النخبة السياسية والثقافة اليسارية، أما المجتمع الدولي فإن موقفه ينسجم مع مصالحه في المنطقة وهو يحتقر الشعب اليمني وكأنه خارج نطاق الدائرة الإنسانية فمندوب الأمين العام للأمم المتحدة زار المنطقة 4 مرات ولجنة تقصي حقائق أممية زارت المنطقة ودبلوماسيون موجودون يعرفون الوضع ولم نسمع منهم سوى الضجيج ولم نر لهم طحيناً!.
عبدالرحيم محسن
الوضع الإنساني في اليمن 2265