المفروض أننا ما نركن على المدافع في توقيت "الفطور"، بل على الأذان، لأننا لو ركنا على صوت المدفع سنفطر كل ربع ساعة!، فالبلد كلها مدافع، و" القوارح صارت اللغة الرسمية للبلاد".
فيما سبق من رمضانات كنا نعرف مدفع واحد مافيش غيره هو "مدفع الإفطار والسحور".
رمضان هذه السنة ألف مدفع ومدفع ، وراءها قلوب لا تخشع ، وعيون لاتدمع ، وآذان لاتسمع ، وإن من الحجارة لما يخشع من خشية الله ويدمع .
الله امرك بالصيام لكي تتوب وترجع ، لكي تحس بالمواطن وتسمع ، وتتعلم كيف يعطش ويجوع ؟ ، لكي تتيقن أن الشر لاينفع ولايرقع ، ولايمنع ولايشفع، لكي لاتجعل من المواطن " نصع " ، وتنزل دموعه على خدوده اربع اربع .
المدافع على قفا من يشيل وكلها ماركة :" اللهم لك صمت وعلى عبدك افطرت" ، وصدق الحكيم اليماني " مدفع تفطر ، ومدفع يفطر عليك".
زمان كان إذا واحد ضبح بك تقول اللهم إني صائم ، اليوم اللهم إني ناقم ، اللهم إني ضابح للنخر ، اللهم إني طاخ طيخ .
تفاءلنا كثيراً برمضان، لأن ابليس مربوط، لكن أباليس الانس زيدوا على أباليس الجن وركبوهم " موتر".
ابليس في هذه البلاد أصبح " فارغ" بلا عمل ، ليس لأن الناس اصبحوا ملائكة، بل لأن الاباليس زادوا ، واصبح يردد وهو مربوط :" علمناهم الأبلسة سبقونا بالوسوسة " ، علشان كذا ابليس استاذ في جميع دول العالم وتلميذ في اليمن ، لأن هناك أباليس لو حطيت ابليس معهم في كيس لخرج من وسط الكيس وهو يستغيث.
التاجر الذي يخزن القمح حتى ينتشر فيه السوس ثم يرشه بالمبيدات ويضعه في أكياس ويبيعه للناس يتأبلس اعظم من ابليس.
ومورد الملابس الذي يغش الناس ويبيع لهم ملابس مكتوب عليها إيطالي وياباني وسوري وهو من صنع معامل محلية يتشيطن اكثر من الشيطان.
ومسؤولو المستشفيات الذين أهملوا مسؤولياتهم والأطباء الذين يتغيبون عن دوامهم وتركوا المرضى مراجمين في الطوارئ ما احد يقولهم من كم ؟ .. هم بلا مبالاتهم بالام الناس يتأبلسون وبلارحمة.
والذين يكنزون الذهب والفضة والدولارات والمليارات ولاينظرون بعين الرحمة والعطف والاحسان للفقراء ومرضى السرطان ومرضى الكلى والمستحقين الذين يملأون البلاد والارامل اللواتي لايملكن كسوة عيالهن والمساجين المعسرين الذين يقضون اعمارهم خلف القضبان لعدم قدرتهم على تسديد ديونهم ، .. هؤلاء مصيرهم كمصير اصحاب الجنتين التي اصبحت كالصريم ، ويوم القيامة ستكوى جباههم وبطونهم بما جمعوه ، وكل همزة لمزة يحسب ان ماله أخلده سيكتشف أن ماله ودف به يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
رمضان زمان كان التكافل الاجتماعي موجوداً، وكان من العادات الكريمة أن تجد الرجل الميسور يطيل الانتظار في المسجد بعد الصلاة لكي يحظى بمجموعة فقراء يدعوهم إلى منزله ليتعشى معهم، وكان هناك من كرم ونبل الأخلاق من لا يطيب له أكل في رمضان إلا إذا كان في مائدة يجمع حولها فقراء ومساكين.
هذه العادات كانت وسائل تربوية للأطفال يتربون عليها، ويتعلمون منها الكرم والنخوة والشهامة والتكافل الاجتماعي، ويبتعدون عن النرجسية والأنانية والشح والقسوة، ويتجاوزون معايير الغنى والفقر والحسب والنسب، ويفكرون بلغة الإحسان والوطن والإخوة والإنسانية.
اليوم إذا أخذ شخص بيد شخص فقير، معوق أو أعرج أو أعمى، واستضافه على العشاء في منزله تجد الأطفال يتقززون وينفضون عن المائدة، لأنهم لم يتعلموا حب المساكين.
كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين". وأم المؤمنين زينب بنت جحش كانت تلقب بـ"أم المساكين".
اليوم لا تقام الولائم إلا لكبار القوم وللمسؤولين، والكثير يتفاخرون فيما بينهم بإقامة الولائم ودعوة المسؤول الفلاني والعلاني، على سبيل الرياء والتفاخر؛ مع أن هذا المسؤول أو ذاك الثري ليس بحاجة إلى وليمة، بعكس المسكين؛ ولذلك قال الرسول الكريم: "بئس الوليمة ما يدعى إليها الأغنياء ولا يدعى الفقراء".
أحمد غراب
وإن من الحجارة... 2300