يموت عزيز لديك -لا سمح الله- فتحزن عليه أشد الحزن وتزيد الدنيا في عينيك سواداً على ظلمتها وتتجه نحو المقبرة متسارعاً حيناً للمشاركة في تشييع ذلك العزيز إلى مثواه الأخير، فتفوز بحسنة وبنظرة أخيرة وداعية تلقيها ومتثاقلاً حيناً آخر إما متردداً في تصديق أن ذلك العزيز قد توفاه الله وأنك لن تراه ثانية أو متردداً في رؤية وحشية القبور إن مشيت بينها وسرعان
ما يصيبك الإحساس الآخر، فبينما أنت تنتقل بين القبور تنتابك أحاسيس الوحشة والإنقباض، فتحزن حتى على حالك "من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره" ماذا زرعت ماذا جنيت؟! وتتساءل وأنت تطوف بناظريك بين القبور، بل ماذا زرع أولئك وهؤلاء وماذا جنوا قبل أن يواروا التراب وتتذكر قوله تعالى "وإذا القبور بعثرت علمت كل نفس ما قدمت وأخرت" وتبدأ في عملية جرد سريعة لمحتويات أحداث حياتك، لعلك تفوز بحسنة هنا وجزاء هناك وتسري في عروقك وعظامك المخاوف، ها أنت قد وصلت إلى منتصف سني حياتك، إن لم تكن قد تخطيت أكثرها دون أن تحظى بثمارها، فتكون نتيجة ذلك الجرد عجز في ميزان الحسنات لاتغطيها حتى لو ملأت الدنيا خيراً، فتنوي الخروج من المقبرة وحالك على أسوأ ما يكون عليه الحال وعند باب المقبرة تلتقي بصديق لم تلتقه منذ فترة طويلة، فتبدأ معه في عرض شريط الذكريات مع بعض ونظرات تنتقل من مشهد آخر تفيض بالشهوة لملذات الحياة تتفقان على الالتقاء في المكان والزمان للتسامر ونسيان هموم الدنيا ولسان حالكما يقول ساعة لقلبك وساعة لقلبك أيضاً هذا وإن يأتيك موت الفجأة، فإنه لم يترك لتتوب وتستعد للآخرة ولم يمرضك ليكون المرض كفارة لذنوبك ولقوله تعالى (أخذناهم بغتة وهم لا يشعرون) وهذا وارد في حق الكفار والفجار لا في المؤمنين الأتقياء ومن قوله صلى الله عليه وسلم موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذه أسف للفاجر بمعنى أن موت الفجأة بطشة رب غاضب على عبده الفاجر أو هو ميتة يسيرة هينة لمن أراد الله أن يهون عليه سكرات الموت، كما أن موت الشهادة غاية كل مؤمن وأسمى رغباته ويدعو صلحاء الناس لإخوان لهم بظهر الغيب رجاء أن يعطيهم الله أجرهم ونورهم "إذا دعا المرء لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة: آمين لك مثله" حديث صحيح.
وإن الله لما خلق آدم عليه السلام خلقه من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم والأسود ومابين ذلك ومنهم الأحمر والأبيض والأسود ومابين ذلك ومنهم اللين السمح والشديد العنيد والطيب الخبيث وكل هذه وتلك صفات خلقية، ثم سرت في الذرية وتمايزت وكان من مقتضى حكمته تعالى أن ينقي الذرية ويصفيها من الشوائب حتى تبلغ أقصى كمالها في الفرد والجماعة أما الفرد الكامل، فكان محمداً صلى الله عليه وسلم وأما الجماعة الفاضلة، فكانت أمته ومصداق ذلك قوله سبحانه (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، فذلك هو حال الإنسان؟!
alsofi2011@gmail.com
وئام الصوفي
حال الإنسان ...... 1949