أعجبني كلاماً لـ"ابن القيم" رحمه الله، فاسمحوا لي أن أنقله لكم وقد كان بعنوان "بلاد الأفراح"، قال الإمام/ ابن القيم رحمه الله:
" كيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده وجعلها مقراً لأحبائه وملأها من رحمته وكرامته وأودعها جميع الخير بحذافيره وطهرها من كل عيب وآفة ونقص وإن سألت عن أرضها وترتبها فهي المسك والزعفران.
وإن سألت عن سقفها، فهو عرش الرحمن، وإن سألت عن بلاطها، فهو المسك الأذخر، وإن سألت عن بنائها، فلبنة من فضة ولبنة من ذهب لا من حطب ولا من خشب، وإن سألت عن أشجارها، فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب، وإن سألت عن ثمارها فأمثال القلال، ألين من الزبد وأحلى من العسل.
وإن سألت عن ورقها، فأحسن ما يكون من رقائق الحلل، وإن سألت عن طعامهم، فاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون.
وإن سألت عن شرابهم، فالتسنيم والزنجبيل والكافور، وإن سألت عن أبوابها، فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام.
وإن سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها، فإنها تستفز بالطرب من يسمعها، وإن سألت عن ظلها، ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام ولا يقطعها.
وإن سألت عن خيامها وقبابها، فالخيمة من درة مجوفة طولها ستون ميلاً من تلك الخيام، وإن سألت عن علاليها وجواسقها، فهي غرف من فوقها غرف، مبنية تجري من تحتها الأنهار.
وإن سألت عن ارتفاعها، فانظر إلى الكوكب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار، وإن سألت عن لباس أهلها، فهو الحرير والذهب.
وإن سألت عن فرشها، فبطائنها من إستبرق، مفروشة في أعلى الرتب، وإن سألت عن سماعهم، فغناء أزواجهم من الحور العين وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين وأعلى منهما سماع خطاب رب العالمين.
وإن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها، فنجائب أنشأها الله مما شاء، تسير بهم، حيث شاءوا من الجنان، وإن سألت عن عرائسهم وأزواجهم، فهن الكواعب الأتراب، اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب، فالورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللرمان ما تضمنته النهود وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور وللدقة واللطافة ما دارت عليه الحضور.
كروان عبد الهادي الشرجبي
في رحاب الكواعب الأتراب 2515