عندما ينتصر الباطل على الحق، وعندما ترى الأخ يعتدي على أخيه، وعندما تثور الأرض وتنفجر بما فيها، كاشفة عن ألسنة من اللهب وعندما ينقلب الحنان والمودة إلى فك مفترس وعندما ترى الجاهل يتحكم بمصير أمة، وعندما يكون الناس سائرين مع التيار أينما سار بلا وجه أو حتى هدف وعندما يصير المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وعندما ترى من يصدع بالحق مقيداً بالسلاسل والأغلال، وعندما ترى القتل قد انتشر في كل مكان.. وعندما ترى الدنيا وكأنها أظلمت عن عينيك وعندما تبكي بحرارة ولا تجد أحداً يحفف عنك، عندما ترى كل ذلك لا تيأس فهذه ضريبة الفرج.
زماننا هو زمن الإغراءات والمغريات وظهرت فئة في المجتمع تقبل البيع وقابلة للمساومة واختفى من يقول: لا للباطل وكثر المزايدون والمنافقون والمجاملون من أجل مصالحهم الشخصية فهؤلاء يتمسكون بمبادئ تحميهم وتحمي مصالحهم، أما تلك المبادئ التي نعرفها وتعلمناها من رسولنا الكريم فهم لا يعرفونها.
إن العبادة هي بين العبد وربه وقد يغفر الله للعبد تقصيره فيها لأن الله غفور رحيم ولكن تقصير المسلم مع أخيه المسلم وتقصيره في أداء الحق وكذلك تقصيره مع أهله وجاره ومع الفقير والمعسر والمحتاج لا تغتفر له عند أرحم الراحمين: فالله عز وجل أرادنا أن نتراحم وأن نمد يد العون المساعدة لبعضنا البعض عند الشدائد.
فكيف نقف بين يدي الله عز وجل في صلواتنا ونطلب الرحمة ونطمع في العفو ونحن لم نرحم إخواننا الذين يحتاجون لنا؟! كيف نقف بين يدي الله ونطلب منه أن يرزقنا ونحن لم نتفقد أحوال المتعففين؟! فلنعلم أن الرحمة مطلوبة وكذلك التسامح والمسامحة أمر جميل وكلنا يعرف قصة الصحابي عبدالله بن عمر الذي قام بحيلة كي يبيت عند رجل أخبر الرسول الكريم عنه أنه من أهل الخير وأهل الجنة وبات لديه ثلاث ليال لمراقبته فإذا به لم يعمل أي شيء شاق على أي مسلم غير أنه كان يؤدي الصلاة وغيرها من الأمور الواجبة.
ففي الليلة الأخيرة صارحة على أنه افتعل تلك الحيلة ليقوم بمعرفة السبب الذي أدى إلى أن يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة وقال جلست لديك ثلاث ليال فلم أجد عليك ما هو زائد على ما يفعله أي مسلم فقل لي ما سرك يا أخي؟!
فرد بأنه لا يفعل شيئاً غير أنه لا يبيت ليلة وبقلبه شيء على مسلم أي يسامح كل من أساء إليه ومن لم يسئ إليه.
فإذا أردنا أن يسامحنا الله فعلينا أن نسامح الآخرين ونرحم الآخرين. فقط أرحم وسامح
كروان عبد الهادي الشرجبي
إرحم وسامح ... 1863