;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

نماذج من إنفاق الصحابة وجهدهم المالي 6083

2011-08-13 03:17:50


إن رمضان المبارك هو شهر الصفاء الروحي، أي: شهر السمو النفسي، بما يملأ القلب من أنوار الطاعات التي تسمو بالإنسان للأفق الرفيع، فيتطلع لما عند الله عز وجل ويشعر بواجبه تجاه نفسه بإنقاذها من النار، وتجاه حياته بتسخيرها في طاعة الله، وتجاه ماله ـ وكل بحسب ما يملك ـ بتقديم جزء منه في مرضاة الله تبارك وتعالى، حتى لو يعمل حمالاً كما كان يفعل الصحابة رضي الله عنهم لينفقوا على الدعوة والدين ويشاركوا في نصرة الإسلام، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا: مراء، وجاء رجل آخر فتصدق بصاع، فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا، فنـزلت: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [79: سورة التوبة] قال النووي في رياض الصالحين: و"نحامل" بضم النون وبالحاء المهملة: أي يحمل أحدنا على ظهره بالأجرة ويتصدق بها.
إن هؤلاء الصحابة الذين كانوا يعملون حمالين ليجمعوا دراهم ينفقونها في سبيل الله، كانوا من ذوي الدخل المحدود بلغة العصر، ولهم أعمالهم التي يعملون بها لكسب قوتهم، وقوت عيالهم، فهل يفوتهم الجهاد المالي؟ هل يحرمون من النصيب المالي في خدمة الإسلام؟ أم يحلون مشكلتهم بالإبداع الإيماني والتفكير في الوسائل التي من شأنها أن تدر دخلا عليهم فيقدمونه للإسلام ونبي الإسلام، لقد حلوا مشكلتهم المالية للإنفاق في سبيل الله بعمل إضافي يجعلون دخله لصالح الإسلام.
من هنا ندرك أن الجميع يشارك في الجهد المالي لأجل الإسلام، حتى لو ينـزل السوق يجعل من نفسه حمالاً، ويجعل ما يتحصل عليه في سبيل الله، هكذا فعل الصحابة رضي الله عنهم، وهكذا تكونت من جهودهم العظيمة حضارة الإسلام، وقامت بتضحياتهم الباهرة دولة الإسلام. وهكذا ينبغي لأحفاد الصحابة أن يجعلوا الإنفاق جزء من اهتمامهم وفي رأس أجندتهم المالية والحياتية.
إن المؤمن يجعل الإنفاق في سبيل الله وفي سبيل الدين والدعوة اشتراكاً شهرياً من مرتبه هذا غير النفقات العادية، إنه يعتبر الإنفاق على العمل الإسلامي مثل الإنفاق على العائلة والنفس تماماً، فلو كان لك سيدي القارئ الكريم ثلاثة أولاد اعتبر الإسلام الولد الرابع، فهل ستمهل النفقة على أحد أبنائك مهما كان دخلك ضعيفاً.
 قال ابن رجب رحمه الله في لطائف المعارف فيما في مواسم العام من الوظائف: كان عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف خازنين من خزان الله تعالى في أرضه ينفقان في طاعته وكانت معاملتهم لله بقلوبهما، ورأس المنفقين أموالهم في سبيل الله من هذه الأمة أبو بكر الصديق t.
إن سخاء الصحابة في الإنفاق في سبيل الله كان عظيماً فعن أنس قال : كان أبوطلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله r يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس : فلما نزلت هذه الآية : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (92) سورة آل عمران [92: سورة آل عمران]، قام أبو طلحة إلى رسول الله r فقال : يا رسول الله، إن الله تعالى أنزل عليك : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (92) سورة آل عمران وإن أحب مالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله تعالى، أرجو برها وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله : "بخ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين" فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه([1]).
هيا تحسس جيبك، وأنفق في سبيل الله، فأنت من الخيرين، ولن تحرم نفسك من نصيبك في الجهاد المالي، وسابق وزاحم ولو بالقليل، عن أبي هريرة t أن رسول الله قال: "سبق درهم مائة ألف درهم" قالوا: وكيف ذلك؟ قال: كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها"([2]).
 ([1]) صحيح) متفق عليه: رواه البخاري، ج2، ص530، حديث رقم1392؛ ومسلم، ج2، ص693، حديث رقم998.
([2]) حسن) رواه النسائي، ج5، ص59، حديث رقم2527؛ وأحمد، ج2، ص379، حديث رقم8916.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد