لا أسعى من خلال هذه السطور للذب عن الشيخ عبد المجيد الزنداني؛ لقناعتي بأن رجال الإصلاح ورواد الفكر في كل جيل أكثر الناس عرضة للشتم والكيد والتنقص
فإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
وهذه سنة ماضية جرت على الأنبياء والمرسلين ومضت على العلماء والمصلحين؛ وملف الشيخ مع شانئيه من الملفات المنتفخة بكثير من الأخبار والأحداث التي يعرفها كل من تابع التاريخ اليمني المعاصر منذ ثورة 26 سبتمبر 1962م وحتى اللحظة, بدأت مع دروس الشيخ وخواطره ومقالاته بعد الثورة, ثم جهوده في إعادة صياغة مفهوم التركيبة القبلية في ضوء مفاهيم تجسد رسالة الإسلام, وتأثيره في مجال التربية والتعليم, وعلاقاته الإيمانية الوثيقة بالأحرار وأصحاب المبادئ من كافة أطياف المجتمع, ثم بصماته التأسيسية في علم الإعجاز العلمي في القرآن والسنة, وما كان له من تأثير كبير في نشر الإسلام وترسيخ خطابه, ودخول الكثير من أساطين العلم في العالم في دين الله, مروراً بالوحدة اليمنية وجهوده لإقرار دستور البلاد, ثم المشروع العملاق الذي ترجمت بعض محاوره جامعة الإيمان, التي بذل لها أنفس أوقاته وتعرض في سبيل نجاحها لضغط السلطة التي لعبت على موقف الغرب من مشروع الجامعة ومؤسسها, وسعت لتحجيم دور الشيخ باللعب على هذا الوتر, وبين تلك المحطات قضايا وأحداث شاركت في صنعها وسائل الإعلام وعرفتها أروقة المحاكم, وليس يجهلها أحد.
والجديد اليوم (وليس بجديد) عودة الطابور القديم لاستهداف الشيخ بنفس الوتيرة التي كانوا عليها بعد قيام الوحدة اليمنية في 1990م, وسنلمِّح إلى أهم خلفيات هذا الهجوم من خلال قراءات سريعة في تقارير المؤسسة الأمريكية للدراسات (راند).
ومؤسسة راند الأمريكية RAND CORPORATION , مؤسسة بحثية مؤثرة في صناعة القرار الأمريكي خاصةً في قضايا العالم الإسلامي , ولها نشاط كبير في رصد العمل الإسلامي منذ أكثر من 12 عاماً, وصدر عنها العديد من البحوث والتقارير.
وفي اليمن تظهر الظلال الغربية المحركة لاستهداف الشيخ - لكونه الرجل الأقوى تأثيراً - من خلال تيارين يقومان بتنفيذ المهمة, هما:
الأول: التيار الشيعي الذي يحلم بقيام دولة الرافضة في اليمن تحت غطاء المذهب الزيدي الذي هو في الحقيقة ضحية المد الرافضي المدعوم علناً من إيران وأمريكا, وهو الدعم الذي حاولوا ستره بالشعار المكشوف (الموت لأمريكا. الموت لإسرائيل) تلك التقيّة التي صرخوا بها في قفار صعدة حيث لم يسمعها لا الأمريكان ولا اليهود, وإنما سمعها البسطاء من العوام الذين كانوا يلهبون حماسهم بمآسٍ مضى عليها 15 قرناً من الزمن, ولم يبق من أطرافها أحد.
والثاني : التيار العلماني الذي يقبع تحت عباءته الكثير من الناشطين ذوي العلاقات المشبوهة بالسفارات والمنظمات الأجنبية.
** أما الشيعة الروافض في اليمن فيعتبرون هجومهم على الشيخ هدفاً استراتيجياً يسوِّق ولاءهم للغرب, ودعم الغرب للشيعة من الأمور التي باتت مكشوفة, فإذا وقفنا عند التقرير الاستراتيجي الصادر عن (راند) عام 2004م بعنوان (العالم المسلم بعد 11/9) وليس هذا التقرير مجرد وجهة نظرٍ أو ملخصٍ سريع, بل انعكاس لدراسات عميقة أخرجته فيما يزيد عن 500صفحة, ولا يتسنى لنا عرض محاوره غير أن أهمها: التوصية الواردة في الجزء الثاني منه بضرورة قيام الولايات المتحدة الأمريكية بدعم الشيعة بكل الوسائل المتاحة.
وحتى يثبت القوم ولاءهم للغرب لا بد أن يعبِّروا عن وقوفهم معه في خندق واحد ضد ما اصطلحوا على تسميته بـ(الأصولية الإسلامية), ولا ينقض هذه الحقيقة الانضمام الورقي التكتيكي لتيارهم السياسي ضمن اللقاء المشترك؛ فالسيف في (الجوف) أصدق إنباء من الورق, بالإضافة إلى البرنامج الداخلي الذي تتخلله بنود عقائدية ومذهبية معروفة.
** أما التيار العلماني فهو في الحقيقة يواصل استهداف الشيخ بغير انقطاع, حتى أن بعضهم لو كتب مقالاً عن المريخ, فلا بد أن يلوي أعنة الكلام حتى يُعرِّض بالشيخ وجامعة الإيمان, وقد نشط هذا التيار أكثر بدعم السلطة التي لن نعلِّق على دورها في التركيز على الشيخ فالأسباب معروفة.
والعلمانيون بكل توجهاتهم يرون أن النهضة الإسلامية أظهرت تفوقاً في الميدان اكتسح كل مخططاتهم التغريبية, وجزء من المهمة المنوطة بهم استهداف الرموز الفكرية وفي مقدمتهم الشيخ الزنداني, وهدفهم من ذلك واضح, وهو إضعاف تأثير هذه الرموز على الجماهير.
جاء في تقرير المؤسسة المذكورة الصادر في 2005م الذي أُخرج بعنوان: (الإسلام المدني الديمقراطي . الشركاء. الموارد. الاستراتيجيات) أن أكبر العقبات أمام المشروع الأمريكي في العالم الإسلامي هو وجود (الأصوليين) , ووصفهم التقرير بأنهم:
يعادون الغرب, ويتمسكون بالمنهجية النصية الدائرة حول القرآن والسنة, ويعتبرون الخلافة الإسلامية هدفاً استراتيجياً, ويوصي التقرير بدعم التوجهات الإسلامية المنفتحة وإحداث فجوةٍ واسعةٍ بينهم وبين (الأصوليين), وجاء في هذا السياق: (1ـ يجب أن ندعم المنفتحين ضد الأصوليين؛ لنظهر لجموع المسلمين المتدينين وللشباب والنساء من المسلمين في الغرب والعالم عن الأصوليين ما يلي: دحض نظريتهم عن الإسلام وعن تفوقه وقدرته, وإظهار علاقاتٍ واتصالاتٍ مشبوهةٍ لهم وغير قانونية...
2ـ إظهار هشاشة قدرتهم في الحكم...
3ـ دفع الصحفيين للبحث عن جميع المعلومات والوسائل التي تشوِّه سمعتهم وفسادهم ونفاقهم وسوء أدبهم...
4ـ تجنب إظهار أي بادرة احترامٍ لهم ولأعمالهم...كي لا يجتذبوا أحداً للتعاطف معهم ).
وللتعليق على الفقرة الثانية فقط من هذا النص أقول: لقد تنبه الإسلاميون في مصر لهذا الأمر فأعلنوا عدم منافستهم على منصب الرئيس, وأنهم لا ينوون اكتساح البرلمان(مع قدرتهم على ذلك), وسيكتفون بالمشاركة, وهذا ما أزعج الغربيين بالإضافة إلى التحالف والتعاون الموفق بين الإسلاميين بمختلف توجهاتهم.
ولقد حرصت على نقل النص كما هو لتحذير شبابنا وشعبنا اليمني المسلم الذين هم على فطرة الإسلام النقية الصافية, من خطورة هذين التيارين, ولتنبيه العقلاء في صفوف العمل الإسلامي إلى ما يجب عليهم من الوحدة والتماسك, والصدق مع الله, ونبذ الخلافات, وليكونوا على يقين أنه ليس للظمآن في النار ماء.
عن مأرب برس
د.ماجد الجلمودي
خلفيات الهجوم على الشيخ الزنداني..قراءة في تقارير مؤسسة راند الأمريكية 2184