أزمة هذا النظام أنه افتقد إلى المنهجية في بناء الدولة وركن إلى الوساطات والمحسوبيات والشللية وأمور أخرى لحكم بلاد لها ثقلها ووزنها الجغراسياسي والتاريخي، وأزمة هذا النظام أنه أدار بلاد بأكملها من خلال شخوص محددة، جعلت الدولة والوطن حكراً لهم، فالبعض في السلطة لأكثر من خمسة وعشرين عاماً، وأزمة هذا النظام أنه صادر حقوق أجيال بأسرها، كان ينبغي أن تجد نفسها في مواقع متقدمة لبناء الوطن بحكم قدراتها وخبراتها ومع ذلك جرى تهميش هذه الأجيال مع سبق الإصرار والترصد لتكون زمام الأمور بيد محددين سلفاً، يمارسون التذلل والتعبد حد الذهول من أجل أن تبقى ساقيتهم خضراء وتجف على شعب بأسره..
وأزمة هذا النظام أنه مارس الكذب بثقة لا حدود لها، معتقداً أن الجماهير مازالت تعتقد به مهما كذب، وهو نفس المقلب الذي وقعت فيه الإمامة، وأزمة هذا النظام أنه صانع أزمات بإحكام شديد يمارس إنتاجها وتصديرها ليظل الوطن في تخبط وهو في ملهاة المتفرج المنعم، وأزمة هذا النظام أنه يدعو إلى الشرعية ويصادرها في آن، هو معها حين تكون لصالحه عبثاً وتهريجاً وغياباً للقانون والنظام واستلاب البشر حقوقهم وضياع استثمارات ووساطات ونهب مقدرات بلد، وهو ضدها يدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور حين تطالب الجماهير بالحرية والمواطنة المتساوية ودولة مساواة وشراكة وطنية..
هنا فقط يثور ويزمجر ويصبح الشعب عدواً، والحقوق خيانة وطنية، والحرية عمالة خارجية، لكنه من حقه أن يصل بنا إلى الدمار الكبير وأن يقطع الحياة عنا، يمارس الحصار الممنهج والتجويع بلا رحمة وكل فنون إرهاب الدولة، ويحدثك بعد إذ عن الشرعية من منطقة نفوذ واستكبار، وليس نظام وقانون ودستور، واحترام حقوق الإنسان، وأزمة هذا النظام أنه استمرأ المديح والثناء وتضخيم الذات والتعبد له ورفعه إلى مستوى أقرب إلى النبوة، وفي إعلامه الظال المظل إلى نصف إله، حيث الوطن مختصر في شخص فخامته، وجنى هذا الإعلام المرابي المنافق على النظام، وعلى الوطن وصادر الرأي الآخر بقول واضح وديماغوجي إن هذه القنوات هي (لعلي عبد الله صالح) فقط.. وجرى تكريس هذا الوهم في ذهنية النظام حتى بات فعلاً يعتقد بوحدانيته وأهله وثلة المنتفعين. ولعل إعلاماً بهذا المستوى من الرعونة لم يكن صادقاً يوماً واحداً مع النظام قدر ما كان يريد أن يظل في موقعه يرتزق على حساب الفضيلة والوطن وعلى حساب النظام ذاته، ولأنه لا يوجد مراكز أبحاث ودراسات منهجية تكشف سخف الإعلام وتقدم استنتاجات دقيقة لما يعتمل في الواقع، فإن المتوالي من إسقاط النظام برز بما لم يكن في الحسبان، بفعل غياب الكفاءات وتهميش الشرفاء وتغييب الحقيقة ليحل التدجيل والتزييف، وأزمة النظام أنه احتضن النفاق ورباه واعتقد به ليصل إلى هذا التداعي الكبير وليبرز الإعلام فاقد مصداقية وتأثير ومشاهدة واستماع، ليتقدم الصدق والنضال على محترفي الخديعة وقول الزور.
وكأن هذا النظام طيلة عمره، يربي أفاعي في جرابه لتكون النتيجة ثورة وحرية ورفض العبودية وقولة (العلي العظيم) وتأليه بشر لا يضر ولا ينفع، ولعل أزمة النظام وقد تفاقمت ولا راد للثورة أو رجعة عنها، يدرك اليوم فداحة أخطائه إن كان له حظ من المراجعة، وهي ركونه إلى أدعياء النفاق والرخص، من تمتلئ صدورهم حقداً على كل جميل ولا يقدرون إلا على الكراهية والبغضاء ولدرجة الدهشة تصيبنا من هؤلاء المزايدين كيف يحيون بكل هذه الرعونة؟! التي تقتل فعلاً ولا تشفي من قتلها، بل تظل في ذات الطغيان بلا فضيلة وإن ادعت بها وجملت نفسه خداعاً، وهي التي أرهقت الكفاءات وأقصتها واتهمتها بالخيانة واللاوطنية وقد قال (فلاديمير لينين) ذات يوم في معرض إجابته على سؤال مواطن حاول أن يزايد أمامه (إن الوطنية ملاذ الوغد أحياناً يا رفيقي) والنظام وقع في فخاخ المزايدين، هؤلاء الذين تنتظرهم الثورة بعفونتهم خارج السياق المبدأي الشريف الذي لا يقبل التزييف والكراهية..
وأزمة هذا النظام أنه انهزم حينما أقصى الرجال والكفاءات واستمع إلى المنكتين والمهرجين الذين لا هم لهم سوى ذواتهم.. وأزمة النظام أنه ليس نظاماً منذ النشأة إلى الثورة، لأنه افتقد إلى العدالة واحترام الحقوق والحريات وجعل من الصندوق الوهم مجرد كذبة لإدارة بلاد.
والنتيجة هذه الساحات الممتلئة حرية ونضالاً وإيماناً بأن يوم النصر قريب وحتمي..
النتيجة وطن يخرج من الشرنقة إلى فضاء الله الواسع، إلى حرية ومواطنة متساوية وشراكة بناء، فمن ذات السلبي برز الايجابي ومن أخطاء الأفاكين والظلمة يطلع النصر (ومن ثمارهم تعرفونهم).
محمد اللوزي
أزمات نظام العيش بالأزمة!! 2267