طفل مصاب بالسرطان وهو ما يزال في عمر الزهور، لا يملك ثمن علبة دواء كل ما يستطيع فعله هوان يبكي ويردد بأسى:
ما أخبث السرطان عذبني أشكو لظى ألمي إلى ربي
يا داء ما أقساك رفقاً بي جرعتني الآلام ما ذنبي؟!
أذبلت زهر طفولتي ألماً وفجعت أمي وامتحنت أبي
أنسيتني فرحي بأصحابي وسلبت دنيا الأنس والحب
فمتى متى تنزاح عن جسدي؟! إني لفي شوقٍ إلى لعبي
وأشد من ألمي دموع أبي لولا الأبوة لاذ بالهربِ
عبئاً على أهلي غدوت، فهل أشقيتهم بعد السعادة بي؟!
مجرد شعورك بأن هناك طفل يتألم كل لحظة وهو يواجه أعتى الأمراض وأشرسها!
مجرد هروبك من سماعه وهو يئن ويهتف!
مجرد اكتفائك بترديد الأمنيات والدعوات كمن يخلي عهدته!
مجرد إحساسك بأن ما يحدث للآخرين وأطفالهم أمر استثنائي أنت وأطفالك بمنأى عنه.
مجرد إدراكك لكل ما سبق يعني أنك مجرد من كل شيء إلا محرقة النسيان.
الطفلة "فاتن" ذات الثمانية أعوام مصابة بالسرطان وكل نظرة منها تصرخ فينا: "أريد أن أعيش، أنتم أملي بعد الله".
مئات الأطفال والطفلات المصابون بالسرطان يدور بهم آباؤهم وأمهاتهم وهم يفتشون عن ومضة أمل وتتحطم آمالهم على صخرة الواقع المادي وعدم الإحساس بآلامهم.
عشرون ألف حالة سرطان سنوياً يعني مائتين ألف مريض خلال العشر السنوات الماضية، يحتضرون كمن يساق إلى الموت وهو ينظر من قلة حيلتهم وكثرة تكاليف العلاج التي أرهقتهم!.
الأطباء موجودون والمراكز المختصة بالعلاج كذلك، لكن الإمكانيات محدودة وشحيحة جداً في ظل تدفق متزايد لآلاف المرضى إلى أماكن مزدحمة لا تتسع لأكثر من مائة مريض في صنعاء وفي عدن مئات المرضى يتقاسمون "20" سريراً.
الكثير منهم ضاقت بهم الأحوال فسلموا أنفسهم للموت وصارت حياتهم عبارة عن احتضار، وآخرون باعوا كل ما لديهم حتى وجدوا أنفسهم عاجزين عن مواصلة العلاج بسبب تكاليفه.
أغلب الحالات لاتصل إلى مركز الأورام إلا في مراحل متأخرة جداً والكثير من الأهالي بلغت بهم الضائقة المالية أنهم يتركون مريضهم في المركز ويرحلون وكأنهم يودون التخلص منه.
أين دورنا كمجتمع وتجار ورجال أعمال في مد يد العون لآلاف من مرضى السرطان والتخفيف من أعبائهم؟.
مركز الأورام مازال ينقصه الكثير، فهو يوفر الأشياء البسيطة المحاليل الوريدية العلاج الكيماوي والمؤسسة توفر بعض العلاجات، والإمكانات محدودة والمأساة تحتاج إلى جهود كبرى لتوسيع المراكز واستقبال المزيد من المرضى والتوعية بالمرض والانتشار في المحافظات.
تصوروا أنه يوجد لدينا مركز أورام في بلد يسكنه أكثر من عشرين مليون نسمة ومنظمة الصحة العالمية أقرت أنه يجب أن يكون مركز الأورام لعلاج الأورام لكل مليون شخص.
العمل الإنساني في مجال مكافحة السرطان عمل يحتاج منا إلى المبادرة من جميع فئات المجتمع التجار ورجال الأعمال يدعمون جهود العلاج والتوعية والفنانين يسووا حفل واللاعبون يسووا مباريات والرسامين ينظموا معارض لصالح مرضى السرطان والقنوات التلفزيونية كل قناة تتكفل بإعلان مؤثر يذاع بشكل يومي.
وغيرهم يسووا حملات لتوعية الريفيات بأهمية الفحص المبكر فيما يتعلق بسرطان الثدي ووإلـخ..
السطور التالية من مذكرات كتبها أحد مرضى السرطان انتقل إلى رحمة الله وبقيت كلماته شاهدة على معاناته يقول في كتابه: ( قال لي أحد الأطباء:عش حياتك! وفعلاً بدأت أعيش زهو ولعب ليل وجد وعبادة، أسهر كل ليل كعادتي، أغني وفي آخر الليل أبكي حتى الصباح).
ويواصل مذكراته قائلاً : ( نفذت أمر الطبيب؛ لكن مرضي ازداد كثيراً وأصبت بضيق في التنفس، أصبح الليل طويلاً طويلاً جداً والظلام ثقيل ثقيـل جداً، أشعة تتسرب من نافذة الغرفة كأنها تنتظر خروج روحي).
لن أنسى ما حييت سعال طفل وجدته ينتظر دوره للفحص كان نحيفاً اصفر اللون مثلي ومثل كل المرضى تأثرت بحالته رغم أني مصاب بذات المرض (السرطان)، كان أخي عندما يشاهد شرودي يقول لي: تشجع.. تشجع.. ستشفى! مرة وجدني الطبيب أبكي فهتف بي غاضباً: لا أستطيع أن أعالج إنساناً ضعيف الإرادة، بدأ يعالجني بالشيميو والأشعة وكل الأشعة إلا أشعة الشمس، هذا الدواء يقتل كل الخلايا ليس الخلايا المريضة، أخذ لي الطبيب صوراً إشعاعية للصدر فوجد المرض مازال كما كان.
المرضى وأهاليهم في زاوية في المستشفى، لكنهم ينظرون ناحيتي وكأنني المريض الوحيد في المستشفى.
ويسترسل رحمه الله في مذكراته : ( بقيت كثيراً في المستشفى للعلاج، أخافني شيء أكثر من المرض، ألا وهو الصمت في المستشفى... لا أدري حتى الآن لماذا شرح لي الطبيب مرضي بهذا العنف وهو يعلم أن الإنسان حساس في وقت المرضـ ألم يكن بمقدوره أن يشرح لي مرضي بلباقة! أنا أعلم والكل يعلم لم تعد الثقة بين الأطباء والمرضى ، إن المحنة التي عشتها في المستشفى وما عانيته وما أعانيه وما رأيته من مرض تعبير عن أن الإنسان بدون عزيمة وإرادة لا يساوي شيئاً...).
تذكروا أن الذي يعيش لنفسه يعيش صغيراً ويموت صغيراً..
لنعمل جميعاً في حملة مكافحة السرطان.
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
أحمد غراب
لا تنسوهم ...... 2716