رمضان مبارك يا يمن، ورمضان كريم وكل عام وأنتم والفوانيس تضيء والشموع تتقد وسراج جدتي ينفث دخانه الأسود، يلون به الجدران فيحولها من البياض إلى السواد، إعذروه فهو يعبر عن الحالة ويعكس فلسفة السياسة ويترجم أفكار المستنيرين بالظلام، الذي يشاركون الخفافيش وظائفهم وقدراتهم..أخيراً وصلنا مرحلة استخدام الطاقة النظيفة الرياح لتبريد الأجواء والمطر لتوفير المياه والأنهار وليس هناك مشكلة إذا اختلطت تلك المياه بمياه المجاري فنحن نعيد التدوير بمفهوم حداثي ولماذا نتأفف من مخرجاتنا وما تتخلص منه أجسامنا وما يمنع من عودتها إلى نفس الأجسام، فكل شيء يسير وفق التدوير إلا الأموال فإنها تخالف قاعدة التدوير فدورانها محدود، تتوقف في محطات محددة أو تدور لتكسب مزيداً من الطاقة حتى تتمكن من تجاوز الحدود عندما تقذف بقوة في بنوك دبي أو بعض دول أوروبا وبلاد العم سام.
شهر مبارك بفوانيسه المميزة أو شموعه المشتعلة، لا تظنوها فوانيس الأطفال التي يحملونها في شوارع المدن العربية والإسلامية ابتهاجاً بالمناسبة، بل هي فوانيس الضرورة التي يتم التنقل بها بين غرف البيت من المطبخ إلى الحمام إلى غرف النوم... الفوانيس التي أصبحت بقيمة فانوس علاء الدين بل تتعدى وظائفها وأهميتها الفانوس السحري..
فوانيس الأزمة المستفحلة في بلاد الأزمات التي لم تعرف التوقف بتلك الفوانيس التي تترجم مواعيد الشر المستطير والدبور المستمر وتلتزم بالوفاء بتلك المواعيد..أما الوعود التي كانت تقال لعمل الخير أو تطوير الطاقة النووية أو الغازية أو الديزلية فإنها كانت أكثر من مواعيد عرقوب كذباً وافتراء ً...
رمضان مبارك ترقبوا مدفع رمضان الذي يدوي قاذفاً بعض قرى أرحب وأبين وأحياء تعز الوادعة، مدافع لكن من نوع مختلف لا تعلن وقت الإفطار أو تنبه لوقت السحور وإنما مدافع تبحث لنفسها عن الإفطار والغداء والعشاء، تفطر بطفل أو امرأة وتتغدى بهدم منزل وتتعشى بكهل أو عجوز, تلعلع المدافع ولا يتبعها الأذان ولكن يتبعها الصراخ والبكاء والخوف والعويل والجراح النازفة والأشلاء المتطايرة والجثث المتفحمة.
مدافع رمضان في اليمن السعيد، قذائف الهاوتزر والكاتيوشا وإياك أن تتوهم وأنت تنزل من سلم الطائرة في مطار صنعاء الدولي أنه مدفع رمضان يدوي ليعلن ساعة الإفطار، لا تتعجل بالبحث عن التمرات أو الماء حتى لا يفوتك أجر الاستعجال بالإفطار، عليك التريث فالمدفع هناك يؤدي رسالة من نوع آخر، لا تستعجل الإفطار فإنك قادم على صوم الدهر وأصوات المدافع ليست إلا بروفات أو مقبلات الوجبات الدسمة التي تعد في مطبخ السياسة إن لم يحبطها جبار السماء.
رمضان مبارك ومليء بخيرات الطوابير التي تزداد كل يوم طولاً وعرضاً واتساعاً، لا تتخيل أنك في إحدى طوابير الاشتراكية زمن تشاوشيسكو في رومانيا أو طوابير الخبز والأرز في ألبانيا أيام الدكتاتور أنور خوجه فأنت في العربية ((السعيدة )) وأنت في اليمن(( السعيد )) ابحث لك عن مكان في آخر الطابور بدل الاستغراب والتفكير ولو على بعد ثلاثة أو أربعة كيلومترات انتظر وصوم وافطر واسهر واحلم أحلام اليقظة ومعها أحلام النوم وابحث لك عن حمام قريب لأنك ستحتلم نتيجة الإرهاق والإعياء وستضطر للاغتسال بعد حلم معانقة واحتضان دبة البترول التي أصبحت تنافس عزة وليلى وبثينه في زمن الحب اليمني وليس العذري....العشق الموجه نحو دبة البترول التي احتجبت وغابت عن الأنظار وتوارت خلف حجب السياسة الغامضة التي لا يعرف من يسيرها سوى سياسة التعذيب والعذاب والتجويع ومواعيد السراب.
رمضان كريم وكل عام والوضع أسوأ.
علي الربيعي
شهر مبارك بالمدفع والفانوس والطابور 1617