على مر العصور وفي مختلف بلدان العالم تكون الشرعية هي الحارس الأمين للحقوق والحريات والسند القوي لتطبيق النظام والقانون، إلا في بلادي تحولت الشرعية إلى نهب واغتصاب أراضي وانتهاك للحقوق ومصادرات للحريات وسفاح محترف في قتل أبناء شعبه, فباسم الشرعية الدستورية تمت عملية اغتصاب الأراضي في المحافظات الجنوبية وتسريح الموظفين والعاملين في الجيش والعبث في كل شيء جميل بتلك الحافظات وباسم الشرعية، تم العبث بإرادات البلاد ومواردها وخيراتها وأبرمت الصفقات المشبوهة وحكمت البلاد وفق شرعية الغاب وبمعايير الوسطية والمحسوبية والوجاهات والرشاوى وغيرها, وتجذر الفساد المالي والإداري في مختلف المرافق الحكومية ابتداءً من قسم الشرطة وإدارة المديرية ووصولاً إلى القضاء ورئاسة الوزراء والجمهورية ,وما إن خرجت الجماهير اليمنية إلى ساحات الحرية والتغيير للمطالبة بإسقاط النظام والشروع في بناء دولة مدنية حديثة حتى أرسل النظام بلاطجته وقوات الأمن والجيش لقتل وترويع المعتصمين باسم الشرعية الدستورية, وخلال الستة الأشهر الماضية من عمر هذه الثورة الشبابية الشعبية ظل النظام وبقاياه متمسكين بنتائج انتخابات 2006 الرئاسية وتجاهلوا انه لا يوجد أي نص دستوري أو قانوني ببقاء رئيس الجمهورية في منصبه أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً، متشبثاً بالكرسي والبقاء عليه حتى 2013م مهما كلفه الثمن، داعياً أنصاره ومن تبقى حوله من بلاطجة الحزب الحاكم وجنود الحرس الجمهوري وعناصر الأمن المركزي لمواجهة شباب الثورة التحدي بالتحدي واستخدم في نفس الوقت المراوغة مع كافة المبادرات والجهود الشقيقة والصديقة لإخراج البلد من مغارات النفق المظلم الذي أدخلت البلاد إياه تلك الفاشلة التي أدار بها ذلك النظام اليمن خلال ثلاثة وثلاثين عاماً.
وها هو اليوم يمر على مغادرة الرئيس للبلاد ستون يوماً ليصبح بحسب الدستور فاقداً للشرعية التي يتخذ منها نظام صالح ذريعة لمحاربة المحتجين والمعتصمين من أبناء شعبه, مع أنه في حقيقة الأمر قد فقد تلك الشرعية عندما نصبت أول خيمة اعتصام في شارع الجامعة وسط العاصمة صنعاء, ومع ذلك لا تزال بقايا هذا النظام تواصل عمليات القتل والقمع للشعب اليمني في العديد من محافظات الجمهورية باسم تلك الشرعية المفقودة وإلا أي مشروعية تلك التي تخول لقوات الحرس الجمهوري قصف قرى ومزارع مديرية أرحب ونهم والحيمة وتعز لأكثر من شهر؟ أي شرعية تلك التي تخول لعناصر الأمن المركزي وبلاطجة الحزب الحاكم اعتراض المسيرات الشبابية السلمية والاعتداء على المشاركين فيها إلى حد القتل؟ أي شرعية تلك التي تخول للأمن بمختلف أنواعه القمع الشديد واعتقال الإعلاميين والقيادات الحزبية والمدنية في مختلف محافظات الجمهورية ؟.. لا توجد أي شرعية في العالم منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها تخول للنظام قتل أبناء شعبه باسمها، ولكنها في بلادنا شرعية الغاب ونظام (ما بدا بدينا عليه)، فالنظام الذي يغض الطرف عن الفاسدين والعابثين في المال العام والمخالفين للنظام والقانون، النظام الذي يحمي المعتدين على عامة الناس ومغتصبي الأراضي ومنتهكي الحقوق لا تهمه إرادة شعبه ومطالبه وحقوقه وحرياته، بل لا تهمه حياة الشعب بقدر ما يهمه التشبث على الكرسي مدى الحياة وتوريثه للأبناء والأحفاد من بعده وبناء القصور والأرصدة في البنوك الخارجية لشراء الذمم والولاءات وكذا القنابل المسيلة للدموع والغازات وقذائف المدافع والصواريخ إذا استدعى الأمر، وهكذا شرعية وإلا بلاش يا بلد الإيمان والحكمة.
عبدالوارث ألنجري
الشرعية التي قتلت الشعب 2007