في العصر الراهن اتخذت الاتصالات وتكنولوجيا الاتصالات لها دوراً متزايداً في إنتاج الجملة الإعلامية، فبإمكان مستخدمي الهواتف والانترنت التعامل مع المادة الإعلامية والتأثير على الرأي العام على النطاق الضيق والواسع.
وفي العصر الراهن ازدادت شبكة وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة سيطرة وتأثيراً على الذهنية المحلية والعالمية ولم يعد هناك مجال من المجالات إلا وله علاقة بالجملة الإعلامية، وكذلك الجملة السياسية التي تنتجها المطابخ السلطوية والمراكز المتخصصة على شكل خطابات قادة الدول وزعماء الأحزاب السياسية وتقارير منتظمة أو موسمية.. وكلا الجملتين، السياسية والإعلامية تخدمان مصالح الطغم السياسية والمالية للطبقات الاجتماعية المتبرجزة وشرائحها الارستقراطية.
واختلفت ومازالت تختلف هذه الجمل من عصر إلى آخر ومن مكان إلى آخر، فحيث يتوفر مستوى راق ومدني من التعليم والثقافة ورقابة ديمقراطية صارمة تكون الجمل منضبطة وتحقق التوازن الاجتماعي المطلوب الهادف إلى تحقيق تربية مدنية وتقدم مدني متواصل، وفي هذا السياق فإن منتجي الجملة السياسية والإعلامية يدركون مدى وخطورة مسؤولياتهم نحو مكونات مجتمعاتهم.
وفي هذا المستوى تهدف الجملة السياسية والإعلامية إلى وضع الحريات والكرامة الإنسانية موضع المقدس والشراكة بوصفها معادلاً موضوعياً للحياة الآمنة والحب بوصفه مصفوفة من القيم الإيجابية وهي بالضرورة تقود إلى التنمية الإنسانية المتواصلة.
وحيث يتوفر مستوى واطئ ومتخلف من التعليم والثقافة تكون الجمل متطابقة مع هكذا وضع مزر وهمجي وتتحول الجملة السياسية والإعلامية إلى وسيلة لإنتاج النزاعات والتوترات والحروب وثقافة الكراهية والتمييز بكل أنواعه وتجلياته، وسيلة لإنتاج التخلف ومشاريع معادية للحرية والكرامة والشراكة والحب "طبعاً ليس الحب الجنسي المتعارف عليه في هذه المنطقة" مشاريع تكرس ثقافة العنف والتعالي وكراهية القانون والعدالة.
واستطيع القول: إن المستوى الواطئ والمتخلف يتوفر في المنطقة اليمنية أكثر من أي منطقة متخلفة في أفريقيا وأسيا، وسوف نحصل على أدلة دامغة على رداءة الجملة السياسية والإعلامية في اليمن على شكل خطابات سياسية وأخبار وتقارير صحفية في الصحف والإذاعات والفضائيات والمواقع الالكترونية والنماذج متوفرة، خاصة في الفترة من 1991م وحتى الآن وتحولت وسائل الإعلام الحكومية إلى معمل لإنتاج الجملة السياسية والإعلامية الهابطة والمشخصنة وقلدتها وسائل الإعلام الحزبية والشخصية وألحقت هذه الوسائل الإعلامية عبر جملتها ضرراً بالغاً بالحياة السياسية والجملة الثقافية واستغلت استغلالاً بشعاً لأغراض شخصية.
ومن نافل القول التأكيد بان حكومة صنعاء تمتلك الآن ثلاث إذاعات مركزية هي صنعاء وعدن وتعز، وعدداً من الإذاعات المحلية وفضائيات كثيرة وعدداً من الصحف والمجلات والمواقع الإخبارية وهي مكرسة جملتها لخدمة الحاكم وأسرته ولم تعد تنتج جملة إعلامية وفقاً لوظيفتها الاجتماعية المتوافق عليها، بل تكرس الشخصنة في أحط مفرداتها وعبر هذه الوسائل تُنقل الجملة السياسية المشخصنة لتكريس الصنمية والاستبداد والفساد والعناد السياسي.
ومنذ عشرين عاماً ونحن نتغذي من الجملة السياسية والإعلامية المشخصنة وكأن البلاد تعيش في العهود البطريريكية في أوروبا، التهاني والبرقيات في الصحف والإذاعات والفضائيات تواصل مهمتها في تمجيد الزعيم الشامل والقاهر وصاحب كل المنجزات التي في المخيلة أو التي يزعم أنها قد تحققت مثل الطرقات المسفلتة ولكنها الوعرة وهلم جر من الأوصاف التي لا تتطابق مع المواصفات.
الجملة السياسية والإعلامية المشخصنة أودت بالوحدة إلى هاوية الكراهية والعنف وقادت إلى حرب 1994م وحولت الخلافات السياسية والاجتماعية الموضوعية إلى صراعات شخصية وأسرية وأدت إلى استقطابات تقليدية وصراع بين بيوت سياسية تتقاتل من أجل الهيمنة على المنظومة السياسية للدولة التي أثبتت بأنها مصدر الثروة غير القانونية للرأسمالية الطفيلية التي تتخذ من السلطة التنفيذية للدولة مركزاً ومنطلقاً للفساد وإفساد الحياة.
وأن الجملة السياسية المشخصنة لا تكون حصيفة أو منطقية أو موضوعية كتلك التي أطلقها مدير دبلوماسية علي عبدالله صالح والذي أكد فيها أن الرئيس لن يتخلى عن السلطة "الرئاسة" وأن معادل ذلك الانزلاق نحو الحرب الأهلية وهذا ما دعا طرف آخر بالرد غير الحصيف حينما قال: بأن علي عبدالله صالح لن يحكم مادام هو على قيد الحياة.. مدير الدبلوماسية تبرع من مخيلته ما يرفضه الرئيس الذي أعلن عن سأمه ممن يحكمهم وأنه سوف يترك الرئاسة ولولا الذهنية المتبدونة لكان الرئيس قد ترك الرئاسة وارتاح في مكان مريح ولن يحدث انفجار الجمعة ولكنه أيضاً العناد البدوي عطل نقل السلطة ومن ناحية أخرى فإن الجملة المطلقة التي صدرت من الطرف الآخر تكرس الصراع والمواجهات العسكرية بوصفها شخصية وبين بيتين سياسيتين وليس بين الاستبداد والفساد وبين المعذبين!!.
عبدالرحيم محسن
الجملة السياسية والإعلامية المشخصنة 2100