قطار الثورة السلمية في اليمن وصل إلى طريق مسدود والى محطة الرعب أو (حافة الهاوية) حسب سيناريو مخيف رسمه نظام صالح لمواجهة الثوار، الذهاب إلى 'الحرب لم يعد خياراً بقدر ما هو واقع يداهم الجميع، فأصوات الرصاص والمدافع والمواجهات لا تتوقف في أغلب المناطق والضحايا يتساقطون يومياً، وكأننا نعيش مشاهد مصغرة يرسلها النظام عن الجحيم القادم الذي ينتظر الجميع إذاما أصروا على التغيير.
لقد وضع نظام صالح الناس أمام خيارين، فإما أن يبقى أو السقوط في الهاوية فكل المتطلبات الأساسية لحياة المواطن جرى مصادرتها وتغييبها، الكهرباء، الماء،المحروقات، الأمن أحياناً بقصد الإبتزاز حتى يتخلى الناس عن خيارات الثورة ومطالب التغيير ويعودوا لحظيرة النظام، وأحياناً أخرى نتيجة عجز وإفلاس المبادرة الخليجية التي جاءت لحل الأزمة تحولت إلى عصا موسى السحرية فأطالت عمر النظام وأحدثت شروخا وانقسامات في صفوف الثوار في الساحات ما بين مؤيد ومعارض وأصابت المعارضة بحالة من العجز والذهول، فلا نستطيع تجاهلها ولاهي تمتلك أدوات ووسائل الضغط لتطبيقها، لقد جرى التلاعب بالمبادرة والالتفاف عليها منذ لحظة الإعلان عنها بعد أن تم إفراغها من أي رغبة حقيقية تضمن نجاحها، فهي تجاهلت تماما شباب الساحات "صناع الثورة" وصورت الوضع وكأنه أزمة بين النظام والمعارضة.
يتضح جليا الآن أن المبادرة الخليجية هي مكيدة سعودية بمباركة أميركية أرادت جعلها طوق نجاة لنظام صالح ونجحت لحد الآن في تحقيق غايتها، فالسعودية مازالت تدعم النظام وتمده بأسباب البقاء وتجنبه كل ضغط خارجي ويستمد منها القوة التي قد تدفع باليمن في جحيم حرب أهلية اشد مرارة من حرب التوتسي والهوتو.
يدرك اليمنيون أن هناك دوما رغبة سعودية في فرض الوصاية عليهم ومصادرة قرارهم السياسي والتدخل في شؤونهم الداخلية، فالأموال السعودية لازالت تتدفق عبر الأبواب الخلفية لشيوخ القبائل دون حجة أو مبرر سوى استمالتهم لحسابها وجعلهم أوراق ضغط في يدها إذا ما دعت الحاجة وبما يخدم أجندتها كما حصل في حرب صعدة ضد الحوثيين، ونظام صالح لا يستطيع الخروج عن الأجندة المرسومة له في الرياض، لكن الشيء الذي تتجاهله العربية السعودية أن مخططها لإخماد الثورة يقود اليمن إلى طريق الاحتراب والتقاتل وعليها أن تدرك بأنها لن تكون بمنأى عن لهيب النار إذا ما اشتعلت على أبوابها، فالحاجة والجوع ستدفع باليمنيين حتما إلى التطرف والإرهاب والقرصنة وإعادة فتح ملفات ترسيم الحدود مع السعودية وقراءتها من زاوية أخرى غير تلك التي تعاطى معها نظام صالح، الخيارات السلمية تضيق أمام شباب الثورة في الميادين فصالح لا يمكن إسقاط نظامه بثورة سلمية دون رفع غطاء الدعم السعودي الأميركي عنه -لأنه استوعب كل فنون المكر والمخادعة واستعد لمثل هذا اليوم لأنه يدرك أن أنظمة القمع والاستبداد والفساد معرضة دوما لامتحانات عصيبة.
بقاء صالح الآن في الرياض يتم بترتيبات سعودية ودعم أميركي هدفه الرئيسي استنزاف طاقات الشباب وتفريغ الساحات وفرض حل التغيير خارج إطار الثورة، وغياب صالح ورفضه التخلي عن صلاحياته وتحقيق مطالب الشباب يعني إطالة عمر الأزمة وأستنزاف باقي موارد اليمن وتأجيج لهيب المعارك المحتدمة في الجوف وأرحب وتعز بين بقايا النظام والمطالبين بإسقاطه بما يجعل الحل السلمي شبه مستحيل، ما نطلبه ونتمناه أن ترفع العربية السعودية غطاء وصايتها عن اليمنيين وتتركهم يقررون مصيرهم وأن يختاروا مستقبلهم.
القدس العربي
سفير سعيد الشعبي
اليمن على أبواب الجحيم 2125