في مجلس القات يتحدث أحد المخزنين لرجل بجانبه "فلان الفلاني حكموا عليه بالسجن 6 أشهر مع وقف التنفيذ" والذي بجانبه يحدث الذي بجواره "فلان حكموا عليه بالسجن سنة مع التنفيذ، والثالث يزيد سنة من عنده ويقول سنتين مع الشغل الشاق".. وجر لك جر، فلا تصل الحكاية إلى آخر المجلس إلا وقد أصبحت حكماً بالإعدام شنقاً مع النفاذ.
وكما قال الشاعر بعسوس بن أبي مبعسس:
تبعسس فليس المرء يولد بعسسي ×× وليس أخو بعساً كمن هو باعسُ
90% من الكلام الذي نتداوله في هذه البلاد مأخوذ من وكالتين للأنباء: الأولى وكالة أنباء "قالوا" والثانية وكالة أنباء "سمعت"، بالإضافة إلى وكالة التفرطة النسائية "قالت.. قلتي".
المشكلة عندما يسمع الواحد حاجة ويتبناها مع أنه لم يكن حاضراً أو شاهداً ولا يقوم بوظيفة كناقل، بل يضيف من عنده، يعني الخبر في بلدنا قابل للاجتهاد، والحاصل أن الواحد أول ما يسمع حاجة بدل ما يتأكد منها ينقلها وهو يظن بنفسه أنه يفعل خير.
تعالوا نشوف الأسباب:
- فراغ: الفاضي بيعمل نفسه أبو العريف وذي ما معه عمل يدور له جُمل "بضم الجيم لا جَمل بفتحها".
- تخديرة القات: وقت القات الديوان من أوله إلى آخره "محللين سياسيين" وكما يقول المثل "أسأل مقوت ولا تسأل خبير".
- هواية: تجد النبش والحشوش وضرب المسامير عنده هواية مثل صيد الأسماك.
- تأكيد ذات: كل واحد يشتي يقول أنا هنا حتى لو اخترع ما ليس موجود، بندر يسمع خبر من إذاعة لندن فلا يقول هنا لندن، بل هنا بندر، وهناك فئة من الناس في مجتمعنا لا عمل لها سوى النميمة والخرط وبث الإشاعات، فضلاً عن حمل المطارق لدقدقت المسامير "الوشايات" ويختلف المسمار اليمني عن غيره من المسامير بأنه مسمار ما تشوف بعده عافية، والمؤكد أن الأمر يعكس مرضاً نفسياً اجتماعياً، يمكن أن نسميه مرض "البعسسة" ونحن أحوج ما نكون في هذه البلاد إلى الحياد والموضوعية والبعد عن الشخصنة وإطلاق الأحكام بحسب الأمزجة والمصالح والأهواء قال تعالى: "إن بعض الظن إثم" و"ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رب كلمة ينطق بها أحدكم لا يرجي لها بالاً تهوي به في جهنم سبعين خريفاً".
مشكلتنا الدائمة في هذه البلاد أن كل واحد يتحدث بما يعرفه وبما لا يعرفه، وكما يقول الحكيم اليماني "عبدُه ربل": لو كل واحد تكلم فيما يعرفه فقط، لعم السلام اليمن.
أحمد غراب
البعسسة ....... 2450