لا أدرى كيف أن رجلاً يوصف بالذكاء الخارق مثل علي عبد الله صالح، مصر على القضاء على تاريخه النضالي من أجل شلة من الفاسدين و المنافقين و المرتزقة ؟! فرغم ما قيل عن الرجل خلال الأشهر الخمسة الماضية منذ انطلاق الثورة الشعبية إلا أنني أعتقد أنه ما يزال أمامه فرصة تاريخيه أخيره، يستطيع من خلالها أن يحفظ فيها ماء وجهه ويسجل له موقفاً ربما يشفع له عند الشعب والأجيال القادمة وهو ترك العناد ومواجهة التحدي بالتحدي الذي قد يجرد البلاد إلى حرب أهلية، تأكل الأخضر واليابس وتسليم السلطة و ترك الشعب اليمني يقرر مصيره بنفسه و مغادرة البلاد مع كل أفراد عائلته بما فيهم قادة الواحدات العسكرية و الأمنية والذهاب إلى أي مكان في العالم ليقضى بقية حياته ويتفرغ لكتابة مذكراته التي أعتقد أنها سوف تكون ذات أهميه تاريخية بالغة، كونها مذكرات رجل حكم اليمن "33" عاماً .
أنا على ثقة بالغة أن ما قلته في السطور السابقة قد لا يعجب السواد الأعظم من شباب الثورة الذين يطالبون بمحاكمة علي عبد الله صالح وأفراد عائلته ورموز نظامه جراء الجرائم التي ارتكبوها كما يحدث حالياً للرئيس المخلوع حسنى مبارك، وهذا طلب مشروع لا غبار عليه، لكنه في الوقت الحالي من وجهة نطرى صعب المنال لأسباب كثيرة، لعل أبرزها غياب القضاء النزيه والمستقل كما هو حاصل في مصر, فالقضاء في اليمن بشهادة الجميع غير نزيه وغير مستقل، لذلك قبل المطالبة بمحاكمة أي شخص كائن من كان، لابد من إيجاد الدولة المدينة الديمقراطية التي من أهم ركائزها القضاء العادل والنزيه.
لأنه ليس من العدل والمنطق أننا نطالب بمحاكمة شخص في الوقت الذي نحن نشكك في نزاهة من سوف يحاكم هذا الشخص, لذلك أتمنى من إخواني شباب الثورة أن يركزوا جهودهم على السعي الحثيث على إقامة الدولة المدينة الديمقراطية الحديثة التي في ظلها سوف يقام العدل المساواة وسوف تعاد الحقوق إلى أصحابها فلا يضيع حق وراءه مطالب، و سوف يأخذ كل من ارتكب جريمة في حق هذا الشعب جزاءه العادل وهذا يتطلب عملاً دؤوباً قد يستمر لسنوات ويتطلب تقديم التضحيات والتنازلات, وطئ صفحة الماضي و فتح صفحة جديدة، عنوانها الحب و التسامح والإخاء و القبول بالآخر, فالذكي هو من اتغض بغيره وتفاعل مع الأحداث بإيجابية وعمل على الاستفادة، منها حتى وإن خسر في الوقت الحالي فإنه سوف يكتسب حيزاً محترماً من التاريخ, فإقامة دولة العدل أصعب بكثير من هدم دولة الظلم. وإحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل، وما أجمل ما قاله الزعيم الأفريقي العظيم نيلسون منديلا في رسالته إلى الثوار في مصر وتونس(عليكم أن تتذكروا أن أتباع النظام السابق في النهاية مواطنون ينتمون لهذا البلد، فاحتواؤهم ومسامحتهم هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة، ثم إنه لا يمكن جمعهم ورميهم في البحر أو تحييدهم نهائياً ثم إن لهم الحق في التعبير عن أنفسهم وهو حق ينبغي أن يكون احترامه من أبجديات ما بعد الثورة).
تيسير السامعى
خواطر ثائر ...... 1914