كلما جاء رمضان برزت مشكلة الاتفاق على بداية الشهر بين بلد وآخر، والاختلاف ناشىء عن ثلاثة عوامل: العامل الفلكي، والعامل الشرعي، وأخيرا العامل السياسي!
نفهم ان يحصل خلاف بين رؤية علماء الشرع وعلماء الفلك على بداية شهر رمضان، لكن من غير المفهوم أن تحشر السياسة في هذا الباب، فتعلن دولة ما بداية شهر رمضان نكاية بدولة أخرى، كما كان يفعل القذافي أيام عزه، حينما كان «يوجه» علماءه لإعلان بداية رمضان في يوم يخالف فيه ما تعلنه السعودية حتى ولو كان إعلانها صحيحا، فالمهم أن تخالف «جماهيريته» ما تعلنه الرياض، وقل مثل هذا عن دول أخرى، تدخل السياسة في حساباتها، فتدفع مفتيها وقضاتها إلى الاعلان عن بداية رمضان وفق هوى صاحب القرار، والأمثلة موجودة، ولكننا نمسك عن الحديث فيها، ما يعني أن هؤلاء وأولئك يعبثون بعبادتنا وبعلاقتنا بربنا عز وجل، ولكن الإثم عليهم، يبوؤون به وحدهم دون العالمين!
أما الخلاف بين رجال الشرع ورجال الفلك، فتلك مسألة أخرى، خاض فيها الخائضون كثيرا.
والسؤال هنا: لماذا تختلف الدول الإسلامية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية للأسباب التالية، وفق ما يرى الكثيرون:
1 - تدعو بعض الدول الإسلامية المواطنين لتحري الهلال؛ فإذا جاء من يشهد برؤية الهلال قبلت شهادته حتى لو دلت الحسابات الفلكية على أن رؤية الهلال مستحيلة أو غير ممكنة؛ وهو ما يحصل حاليّاً في العديد من الدول الإسلامية!
2 - في دول إسلامية أخرى ترد شهادة الشاهد إذا كانت رؤية الهلال مستحيلة ولكنها تقبلها حتى لو كانت غير ممكنة، ومثال ذلك المملكة العربية السعودية (ابتداء من عام 1419 هـ).
3 - للأسف.. إن معظم الدول الإسلامية لا تتحرى الهلال على مستوى رسمي؛ بل تكتفي بدعوة المواطنين للتحري! فالدولة العربية الوحيدة التي تتحرى الهلال كل شهر (وليس فقط رمضان وشوال) بشكل رسمي وتعلن نتائج التحري رسمياً وبشكل فوري عبر وسائل الإعلام هي المملكة المغربية؛ فهي تتحرى الهلال من حوالي 270 موقعاً موزّعاً على مختلف أنحاء المملكة المغربية، وتشارك القوات المسلحة بعملية التحري أيضاً، وحسب اعتقادنا فإن المملكة المغربية هي أفضل دولة عربية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية، وكذلك فإن نظام التحري في سلطنة عمان مشابه لذلك، ولكن يبقى النظام المغربي هو الأفضل، وفي المقابل فإن معظم الدول الإسلامية تدعو المواطنين لتحري الهلال، وتقبل شهادة أي مواطن برؤية الهلال، مع العلم أن هذا الشاهد قد لا يكون على علم بوقت ومكان الهلال ولا حتى بشكله، فإذا ما شاهد أي جرم في السماء اعتقده الهلال. فعلى سبيل المثال صام ملايين المسلمين في السعودية عام 1984م 28 يوما فقط؛ لأن أحد الشهود رأى كوكبي عطارد والزهرة فاعتقدهما الهلال!
5- تأخذ بعض الدول الإسلامية بمبدأ اتحاد المطالع؛ فإذا علمت أن إحدى الدول قد أعلنت ثبوت رؤية الهلال فإنها تتبعها فوراً حتى دون التأكد من صحة رؤية الهلال، ومثال ذلك الأردن. وفي المقابل فإن بعض الدول الإسلامية تأخذ باختلاف المطالع، ولا تقبل رؤية الهلال إلا من داخل أراضيها، ومثال ذلك السعودية؛ فعند تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1420هـ أعلنت اليمن ثبوت رؤية الهلال يوم 07-12-1999م، وعليه كان يوم 08-12-1999م أول أيام شهر رمضان في اليمن. وقد ذكر البيان الرسمي اليمني أسماء ووظائف الأشخاص الذين شهدوا برؤية الهلال، وكان من بينهم أئمة مساجد، إلا أن السعودية أهملت بيان ثبوت رؤية الهلال من جارتها اليمن، وبدأت الصيام يوم 09-12-1999م.
إن تحري الهلال بشكل جماعي ضرورة لا مفر منها؛ فهو الطريقة الأمثل لتأكد الشاهد بأن ما يراه هو الهلال وليس شيئا آخر.
ترى، ألم يحن الوقت بعد كي نصوم مطمئنين إلى صحة صيامنا وصحة المواقيت التي يعلنها الرسميون المسلمون، بعيدا عن «الجكر» السياسي والخلاف الفقهي؟؟
الدستور الأردنية
حلمي الاسمر
هلَّ هلالك .. أم شُبه لهم؟ 1800