ليس من العيب أن يخطئ البشر، لكن من العيب المشين أن يعرفوا طريق الحق بعد الخطأ وتستمر رغبتهم بالسير في ذلك الطريق المحفوف بمساوئ الخلق وكثرة الزلل واللغط.
وها نحن نقول اليوم إن الجميع أخطأ وألقى بدلوه في مستنقع الأحداث الدامية التي ألمت بالوطن، وليس من العيب أن يعترف الجميع بخطئهم ما دمنا أهل إيمان وحكمة، ليس من العيب أن نلجأ لمن يغفر الزلات ويمحو الذنوب ويتجاوز عن الخطايا، لأننا في أيام لا تأتي إلا مرة كل عام، أيام لا مجال فيها للتفاوض والتذكير بالفاعل والمفعول به، فنحن متفقون أن الجميع أخطأ وما من أحد يغفر الذنوب إلا الله.
"يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب" (الرعد)، إذاً فرب العرش العظيم يمحو ما قد كان قدره عنده في اللوح المحفوظ إن دعاه العبد وأناب إليه وتاب من تكرار الخطأ مع يقينه بفداحة هذا الذنب إذ كان مغموراً بالدماء الطاهرة من أبناء مجتمعه ووطنه، لا تصروا على استمرار الخطأ وتمزيق أواصر المجتمع بعد أن عرضنا عليكم نفحات الشهر الكريم الذي لا ترد فيه دعوة الناس سواء منهم العائد من الذنب أو التقي الطامع بالمزيد.
لنكن شركاء في دعوة السلام والأمن والأمان للوطن، ليبتهل الجميع صفاً واحداً في محراب هذا الشهر الفضيل، فعسى أن تجمعنا مائدة رمضان الزاخرة بالطاعات بعد أن فرقتنا الأطماع والأهواء والمصالح المعقودة بسوء النوايا، لكن ها هو رمضان فاغتنموه حتى تجب دعوته كل ما كان من قبله.
تعقلوا واعقلوا قراراتكم بالخوف من الله، فالحياة لا تدوم لكم كما لم تدم لمن كان أشد منكم قوة وأكثر جمعاً.
الجميع مسؤول أمام الله عن هذه الفتنة وهذا الفساد الكبير ولكم في قول الله عبرة وعظة: "وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمنئة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان"، إذاً فما نحن فيه من خوف وجوع بسبب كفرنا للنعم، والوالدان نعمة جحدناها بالعقوق والرحم نعمة أنكرناها بالقطيعة، والطعام والشراب نعمة لم نرع حقها بالشكر وقلة التبذير، والمال نعمة جحدنا حقها بإنفاقه فيما لا يرضي الله، والصلاة والقرآن نعمة جحدناها بالانصراف إلى سواهما من متع الحياة الزائلة.
الصدق والأمانة والأمن والحرية نعم أنكرنا فضلها بإتيان النقيض منها ومن هنا كان الفقر والجهل والجوع والخوف مظاهر حية لمجتمعاتنا العربية بشكل عام.
الله يمحو السيئات ويثبت الحسنات، يتجاوز عن الخطايا ويُقبل على التائبين أشد من إقبالهم عليه، خاصة في شهر كهذا لكل إنسان فيه ساعة لدعوة مستجابة في الليل أو النهار، فليكن رمضان مائدة حوار محفوفة، بالخوف من الله وعلى الوطن وتجاه المسؤولية وليستشعر الجميع إحساسه بالخطأ، محاولين الإصلاح والخروج منه وليس الإصرار عليه والاستمرار فيه.
ليس عيباً أن يعترف الكبار والصغار بالخطأ والتقصير ويتحاورون على مائدة واحدة على سبل الخلاص من هذه الفتنة التي عمت أرجاء البلاد بالفوضى والعبث حتى وصلت حد التكفير للبعض وإهدار دم آخرين، وتجاهل الجميع حق الناس في الحياة بأمان وشرف وكبرياء.
ليس من العيب أن يقف كبار الوطن موقف رجل واحد على كلمة واحدة وينسون ما حدث بالأمس القريب لأجل الضعفاء والأطفال والذين ليس بينهم وبين الله حجاب.
ليعلم الجميع أن القاتل والمقتول في النار وأن الظلم هو السبب في هلاك الأمم وسقوط العروش وانهيار الأنظمة، لأن فيه امتهان لقدرات الناس وسخرية من قدرات الحليم الكريم، رب العرش العظيم.
لتتعاضد الرغبات وتتحد الاتجاهات في سبيل الوصول إلى اتفاق بين جميع أطياف السياسة في الوطن، ولعل رمضان يفعل ما لم تفعله كل الوساطات والمبادرات، لأن له علاقة مباشرة برب السماوات.
ألطاف الأهدل
يمحو الله من يشاء 2265