قبل سنوات ليست بالبعيدة كتبت عن هذا الموضوع وكانت ردة فعل المتنفذين على الجيش متشنجة وشنيعة.. كان مطلبي يتلخص بإلغاء هذه القوات وإعادة تأهيلها عدلياً وإنسانياً ومن ثم تنسيبها إلى قوات الأمن العام وتوزيعها على أقسام الشرطة والشرطة القضائية وحماية المنشآت العامة بحسب الاختصاصات والسبب وراء هذا الإلغاء يكمن في أن البلد فقيرة وتزداد فيها نسبة البطالة والفقر، وأن البلد تفتقر إلى تنمية إنسانية وأن البلد ليس لديها عدو خارجي يتربص بها وعلى وشك شن حرب، إضافة إلى أن هذه القوات قد أفرغت من الطابع العام أو كما تحبون القول: أفرغت من الطابع الوطني، وهذه القوات ذات السمة الكسلة تستهلك موازنة ضخمة يمكن الاستفادة منها لحل معضلة البلد: وهي توفير فرص عمل للعاطلين وحرمان فاسدي الجيش من مصدر الفساد.
مقولة أو مطلب إلغاء الجيش مازال قائماً الآن وهو الآن مطلب ملح وأكثر وجاهة بعد أن تحولت عنق الزجاجة إلى سدادة أسرية كتمت النفس العام أو الطابع الوطني للجيش، حيث سدد علي عبدالله صالح لكمة قوية إلى جوهر القوات المسلحة وحرفها حرفاً عن وظيفتها بعد أن تهاون السيادة الجغرافية أولاً والسيادة العامة ثانياً للجمهورية اليمنية وأضحت في مهب الرياح الامبريالية، إذاً على ماذا سيدافع الجيش الحالي؟!.
عملياً القوات المسلحة مقسمة إلى ثلاثة أقسام هي أولاً: جيش موالي لعلي عبدالله صالح ويخضع لقبضة أسرته وأقربائه أسرياً كالحرس الجمهوري والأمن المركزي وبعض الألوية التي تقع تحت قيادة مهدي مقولة، ثانياً: جيش موالي للواء/ علي محسن صالح وهو الذي أعلن انحيازه للانتفاضة الشعبية ومازال متمسكاً بالموقف السلمي، ثالثا: جيش يتيم وهو عبارة عن ألوية عسكرية غير موثوق منها ويمارس ضدها تميزاً معيناً ووجدت لإرضاء أطراف جنوبية وزج بها في مواجهات صعدة ومأرب وفيما يتعلق بوزارة الدفاع، فإنها عبارة عن مكياج على هيكل عظمي رأينا كيف يتحول وزيرها إلى ضابط ثانوي عند علي صالح الأحمر قائد عمليات الحرس الجمهوري.
والمهم أن هذا التقسيم قد تجلى في أبهى صوره في "21" مارس 2011م، حيث استمر الجيش الأول في شن الحرب الشرسة والقذرة ضد الشعب في صنعاء وتعز ومأرب وأبين شبوة وعدن وهو ينوي توسيع عملياته العدائية إلى الحديدة والبيضاء وغيرها من المناطق، بينما الجيش الثاني ملتزم السلم حتى لا يعطى ذريعة جاهزة لقادة الجيش الأول "الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي" لخوض مواجهات واسعة مع الساحات وقواته في المنطقة الشمالية الغربية والمنطقة الشرقية.
الآن كتائب علي عبدالله صالح أو جيشه الذي حرص على بنائه على أساس الموالاة الشخصية له ولأسرته يقوم بعمليات متوحشة في أرحب ونهم والحيمة وهي مديريات تابعة لصنعاء، فيدمر المساكن فوق الأطفال والنساء والعجزة ويدمر مصدر أرزاق السكان من مزارع وحيوانات وفي أبين لم تعد مدينة زنجبار مدينة حديثة، بل هي أطلال وكتل اسمنتية على الأرض وكذلك جعار مدينة الفقراء تعرضت للهدم، والإشكالية في أبين مختلفة عن صنعاء، ففي أبين استطاع النظام الحاكم إنشاء ذراع عسكري كحقل تجارب وفزاعة الأمريكيين والأوروبيين وبنفس الوقت قوة عسكرية لتصفية الألوية العسكرية غير الموالية ـ لواء "25"، لواء "119" واللواء "31" دفاع جوي ـ حيث تم ضرب حصار قوى على اللواء "25" والذي صمد بفضل أبطاله ومساندة قوات الدفاع الشعبي والقوات الجوية والبحرية الأميركية وهي التي أمطرت الذراع العسكري للسلطة بوابل من العمليات الجوية والبحرية، أما اللواء ""31" دفاع جوي ـ فاستهدفت معداته وجنوده وضباطه بعمليات انتحارية وعبوات ناسفة، خاصة وأن بعضها كان متوجهاً لمساعدة اللواء ""25" واللواء "119" المرابطين في أبين، بينما في صنعاء المواجهات تدور بين مواطنين محليين ومجموعة من ألوية الحرس وهي بحكم المحاصر.
إن المشهد الذي ترسمه كتائب صالح يقود بالضرورة إلى الإسراع بإلغاء الجيش وتحويله إلى قوات أمنية شبه مدنية، لأن هذا الجيش أصبح جيشاً معادياً للشعب وهو عبئ على كاهل الشعب لأن الجيش الذي يخوض معارك قذرة ضد شعبه لا يستحق شرف الانتماء إلى الشعب، لذلك يقرر الشعب أنه لا يريد جيشاً بعد الآن وتحت أية صيغة ولا يريد الآن حتى إعادة هيكلة الجيش، فقد أثبت الجيش أنه مستخدم لأغراض عدائية ومصنوع لخدمة السلطة الحاكمة.
للأسباب آنفة الذكر والجرائم التي ارتكبها الجيش في أرحب ومأرب وشبوة والضالع ومازال يرتكبها في ردفان والضالع وتعز وصنعاء وأمانة العاصمة والتي ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسان، فإن الشعب يريد إلغاء وزارة الدفاع وإلغاء الجيوش الثلاثة "الجيش الأول والثاني واليتيم" من أجل التفرغ لبناء دولة فدرالية مدنية خالية من الجيوش ومن فقهاء الجريمة ومن الأفكار العنيفة ومن الفساد.. دولة لا تشتري بالأموال الأسلحة والذخائر بهدف قتل الناس وتدمير مساكنهم وإحراق مزارعهم.. دولة لا يحمل بها الناس السلاح أي كان نوعه.. دولة لا بد أن تختفي فيها الدموع التي ذرفت بعد كل عملية قتل بشري.. دولة تتفرغ للتنمية الإنسانية المستدامة، وحماية المجتمع من الأفعال الإجرامية ومن المنحرفين.. تحولت البلاد بفعل البدانة للطغمة العسكرية إلى غابة موحشة يمارس فيها القتل العمد مع سابق الإصرار والترصد من قبل جيش استنزف الأموال العامة ومن قبل منحرفين سلحهم أقرباء الرئيس صالح من سكان الحارات والعاطلين عن العمل أيضاً، هؤلاء المنحرفون سوف يتحولون بالضرورة إلى كارثة تحط حمولتها الثقيلة على كاهل أبناء الرئيس وأقربائه عاجلاً أو آجلاً.
عبدالرحيم محسن
الشعب لا يريد جيشاً 2154