أعرف شخصاً منذ أن سافر للعمل في الخارج حتى بدأ بتخصيص مبالغ معينة لأمه وأخواته وخالاته وإن كانت هذه المبالغ بسيطة إلا أنها تحمل في مضمونها معانٍ أكبر وأعمق من قيمتها.
وفي الحقيقة أنه كلما كان راتبه يزيد كان يزيد من هذه المبالغ المرسلة لأهل بيته، وذات يوم سمعنا أن هذا الشخص تزوج وظننا في البداية أن الزواج سينسي هذا الشخص أهله وسيقطع عنهم المال، لأنه بحاجة له، ولكنه ظل على عهده وفياً لأهله ولم يتغير ومرت السنين وإذا به يملك ثروة لا بأس بها، صدقوني لم يستنكر أحد عليه رزقه، بل قالوا سبحان الله أعطى هذا الشخص لأهل بيته مالاً ولم يبخل عليهم يوماً، فبارك الله له رزقه، كيف لا يبارك الله له رزقه ولا يعطيه من وسع وهو يصل الأرحام ولا يقطعها؟!
بدأت بتلك الحكاية الواقعية لأننا في الحقيقة، بل الكثير منا يقصر في صلة الرحم وقد يكون لبعضنا عذرهم نتيجة ظروف العمل ومشاغل الحياة، إذا رجعنا إلى الوراء قليلاً، سنجد أن صلة الرحم في الماضي كان لها مكان، بل كانت تتصدر اهتمامات أبنائنا وأجدادنا.
من منا لا يتذكر الزيارات العائلية المتواصلة، فقد كنا نذهب مع أبنائنا لزيارة العم والخال وكافة الأهل، وعلى الرغم من ذلك، فإننا مقصرون في هذا الجانب.
ولنكن صريحين أكثر ونتحدث بكل واقعية ونقول إننا نظن بأن صلة الأرحام هي تلك التي نقوم بها في المناسبات السعيدة كالأعياد والأعراس وأيضاً في المناسبات الحزينة، وكثير منا يطبق مبدأ "من يزرني أزره، ومن لا يفعل لا أفعل وما فيش أحد أحسن من حد".
باختصار شديد تغيرت الأحوال وتبدلت واختفت صلة الأرحام من يوميات حياتنا، وحلت محلها المجاملة، فمن يجاملني ويأت إليّ ليشاركني أفراحي وأحزاني ذهبت إليه، ومن جاء لزيارتي رددت له الزيارة، حتى الأمور التي كان يفعلها أبناؤنا من أجل كسب الأجر كزيارة المريض في المستشفى أو المنزل قد اختفت هذه العادات الطيبة بيننا؟!
عفواً هذه ليست عادات وإنما أمراً من أوامر الله تعالى، حيث أمرنا أن نتقيه سبحانه في الأرحام وحذرنا من قطع الأرحام وسماها فساداً في الأرض، وعلينا أن نتذكر بأنه مهما ثقلت علينا الأعباء وأحاطت بنا الأعمال فهذا لن يعفينا من التقصير، وما كتبت مقالي هذا إلا لأذكر نفسي أولاً بمدى التقصير الذي لا أقصده تجاه أهلي وأذكركم بذلك، لأن رمضان على الأبواب وهذه فرصة سانحة لفتح الأبواب الموصدة ولإعادة العلاقات الأسرية إلى مسارها الصحيح التي من شأنها صلة الأرحام لا قطعها.
ختاماً، أبارك لنفسي ولسائر الأمة الإسلامية بقدوم شهر الخير والبركات، شهر رمضان الفضيل، وأسأل الله أن يبلغنا رمضان.
كروان عبد الهادي الشرجبي
الأرحام وصلتها ..... 1968