لم يعد يفصلنا عن شهر رمضان الكريم سوى أيام قليلة، أعاده الله على أمتنا العربية والإسلامية باليُمن والإيمان والخير والإحسان وجعله سبباً للتقرب إليه بالطاعات والحسنات ومحو الذنوب والسيئات وفرصة حقيقية لمراجعة السلوك والأعمال وتقديم كشف حساب ومحاسبة للنفس لتقييم مدى القرب أو الابتعاد عن الله عز وجل طوال الأعوام السابقة، وفتح حساب جديد، يحرص فيه المسلم على تمثل القيم النبيلة والأخلاق القويمة وعقد صلح حقيقي مع الله، صلح عنوانه الإقبال عليه بالطاعات والإكثار من حصد الثواب والحسنات والتوبة الصادقة من الآثام والخطايا.
ولكن للأسف ما نراه في هذا الشهر الكريم من قبل كثير من المسلمين من جعله شهراً عامراً بالأطعمة والمشروبات والمسابقات والمسلسلات لإتخام البطون بالمأكولات والجيوب بالعملات والنفوس بالشهوات، لأمر قد أفرغ هذا الشهر من مضمونه الروحي وهدفه التعبدي وصارت العبادات تؤدي كالعادات لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، إمساك طوال النهار لا يجنى منه غير الجوع والعطش، وليل مقتول باللهو والسهر والفراغ.
إن الله عز وجل قد فضل هذا الشهر على سائر شهور السنة وجعله زمناً بنزول كتابه العزيز ليدلل على مكانة وعظمة هذا الشهر الذي تشرف بالنزول فيه أعظم وأجل كتاب سماوي يهدي للتي هي أقوم وللبر والإحسان ويرتقي بالنفس الإنسانية إلى مدارج الكمال، فجاءت أهمية الظرف من أهمية وقيمة المظروف.
فرمضان يعد مدرسة قرآنية ونفحة ربانية ومحطة إيمانية، يتعلم فيها المسلم كثيراً من الدروس والمناهج السماوية الرفيعة التي قررها ربنا سبحانه وتعالى على عباده، ليزكي نفوسهم ولتسمو أخلاقهم ولتتهذب طباعهم وأرواحهم وتتعود على الصبر والجهاد وكبح الغرائز والشهوات وغرس القيم الاجتماعية، كالتعاون والتكافل والإنفاق في سبيل الله، لينشأ المجتمع المسلم مجتمعاً قادراً على القيام بواجبات الحياة، مجتمعاً قوياً، متآزراً، متماسكاً.
ولا غرابة أن يكون هذا الشهر حاضناً لكثير من غزوات المسلمين ضد أعدائهم، فقد كان مدرسة جهادية، تخرج فيها كثير من الأبطال الذين حملوا لواء الإسلام إلى كل أصقاع الأرض يكونوا كذلك لولا ما فعله بهم هذا الشهر من تدريت وتمرس على القيم الفاضلة والإعداد الرفيع والإخراج المتميز.
لقد كان مصنعاً ربانياً، توافرت له كل أدوات الإنتاج ذات الجودة العالية والمواصفات السماوية الرفيعة، فجاءت منتجاته حلوة المذاق، طيبة الجني، "تؤتي أكلها كل حين، بإذن ربها" وسطرت لنا أروع الأمثلة الخالدة في التاريخ كرامة وعزة ورفعة وشمماً.
وئام الصوفي
رمضان مدرسة قرآنية ونفحة ربانية ومحطة إيمانية 2178