(1)
غبت عن العالم العربي عشرة أيام، لم أحاول أن اسمع أخبار هذا العالم المضطرب، كنت أتابع فضيحة ميردوخ المدوية، وكنت أتابع الأزمة المالية الخطيرة التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية ومواجهة الكونغرس الأميركي للرئيس أوباما وتحميله مسؤولية المديونية الرهيبة التي تعصف بالاقتصاد الأميركي وقد تمتد مخالب تلك الأزمة الراهنة إلى الاقتصاد العالمي، الأمر الذي سيؤدي إلى تأثر دول الخليج العربي بتلك الأزمة، لأن مدخراتها واستثماراتها ومبيعاتها تتم بواسطة الدولار الأميركي.
تذكرت على الفور دعوة الدكتور/ مهاتير محمد -رئيس وزراء ماليزيا المزدهرة اقتصادياً- القاضية بالعودة إلى الذهب والفضة وبخاصة فكرة 'الدينار الإسلامي' الذهبي، ومعدل فائدة صفر كاحتياطي للعملة في العالم، فكرته العظيمة تلك تهدف إلى تعطيل القبضة المزدوجة 'للدولار والقروض' وتمنيت قومي أن يسمعوا ويستجيبوا لذلك المقترح المقدم من رجل حكيم.
(2)
في الطائرة في طريق عودتي إلى عالمنا العربي المأزوم تناولت صحيفة عربية ووقع بصري على عنوان 'أنا من نسل سيف بن ذي يزن والدم سيكون للركب'، يا للهول، من القائل؟ وجدت أن القائل هو الرئيس المنتهية صلاحيته علي عبدالله صالح لهيئة علماء اليمن ومشائخ قبائلها الذين أتوا إلى مقر الرئيس صالح في وزارة الدفاع بموعد مسبق.
يروي هذه الرواية الشيخ الجليل المعروف/ عبدالمجيد الزنداني ولهذا أخذت ذلك القول على محمل الجد.
كان هدف الاجتماع بين هيئة العلماء اليمنيين ومشائخ القبائل وفي مقدمتهم الشيخ/ صادق الأحمر واللواء/ علي محسن -قائد المنطقة الشمالية والغربية- (كان هذا اللقاء قبل مقتل "52" في ساحة التغيير 18 آذار/مارس هذا العام)، يهدف إلى محاولة إقناع الرئيس بالتنحي ونقل صلاحياته إلى نائبه مقابل إنهاء الاعتصامات ومنعاً لسفك الدماء، عندما سمع القول بأن الحال وصل بينك وبين معارضيك إلى عدم الثقة، غضب ونهض واقفاً قائلاً 'ما هكذا يخاطب الرئيس' وترك الاجتماع غاضباً، تمت محاولة إعادته إلى الاجتماع آنف الذكر وقال عند عودته: 'النقاط الخمس التي أتيتم بها مرفوضة وقال: 'ألا تعرفون من أنا؟.. أنا علي عبدالله صالح الحميري من نسل سيف بن ذي يزن سيكون حمام دم' أنا لا أتنازل عن منصبي.
ذكرني هذا بما قاله شاه إيران لأحد الصحافيين الأجانب قبل رحيله إلى منفاه الأخير 'الملوك لا يتنازلون'، ولكنه في الأخير طرد إلى غير رجعة حتى أن حلفاءه لم يستطيعوا حمايته من غضب الشعب الإيراني، وهكذا تكون نهاية الطغاة لا عاصم لهم من غضب شعوبهم.
(3)
ظهر علي عبدالله -سليل سيف بن ذي يزن الحميري- على وسائل الإعلام بوجه لفحته نار الدنيا، نار التشبث في السلطة وأهوالها، ويد يسرى لا يستطيع حراكها، وصدر اخترقه الرصاص والحطب، منظر يبعث على الحسرة والحزن، والحق أنني لم أفرح بما أصاب الرجل ولم أود أن تكون نهايته بذلك المنظر، لكن سليل بن ذي يزن وهو على فراش المرض ما برح يعاند ويتشبث بالسلطة حتى لو أنها أحرقت وجهه وشلت يده وشقت صدره، وألحقت أضراراً برجليه، وأحرقت اليمن وشوهت سمعته بين الأمم.
الرئيس كلف أحد مساعديه أن يكتب مقالة نشرت في بعض الصحف العربية يؤكد فيها تمسكه بالسلطة ولو من القبر وذلك بإسناد مهمته السلطوية إلى ولي عهده ابنه "أحمد" الماسك بيده على الزناد يقتل من يعارض بيعة والده حتى ولو أباد محافظة تعز عن بكرة أبيها وكذلك بقية المدن والمحافظات اليمنية.
في مقالته المنشورة ما برح صالح يكرر الدعوة إلى حوار بين سلطته ومعارضيها والسؤال ألا يكفي ثلاثون عاماً ونيف من حوار القوة مع الشعب وقيادة المعارضة الوطنية والخروج بلا نتائج ألا مزيداً من التعسف والفساد والقتل ورهن البلاد للهيمنة الأميركية؟ يقول صالح ومؤيدوه علينا أن نحتكم إلى صناديق الانتخابات، نعم يجب أن نحتكم إلى صندوق الانتخاب بعد زوال هذه السلطة الملكية غير المتوجة وإعادة هيكلة حزب المؤتمر الحاكم بإخراج الانتهازيين وأصحاب المصالح الذاتية الذين أفسدوا الذمم وأثروا على حساب الشعب بغير وجه حق وتفعيل دور الدولة بالانتقال من سلطة العائلة والقبيلة إلى سلطة الشعب المكون الأساسي للدولة وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني للمساعدة في بناء الدولة العصرية، بعيداً عن التدخلات الأجنبية .
آخر القول:
اليمن غني برجاله وبثرواته وبتراثه الحضاري لا يحتاج إلى هبات وصدقات من الخارج، يحتاج إلى رجال يؤمنون بوحدته، مخلصين لخدمته، محافظين على مكانته وسمعته وموارده، يؤمنون بأن مصالح اليمن فوق مصالحهم الذاتية.
إن الحكمة اليمانية تقول لعلي عبدالله صالح: كفى يا ريس خاف الله في اليمن وأهله واخرج قبل أن تُخرج كخروج شاه إيران.
× نقلاً عن القدس العربي
د. محمد صالح المسفر
الملك علي عبدالله صالح الحميري 2551