"ما فيش طحين قال فتوا"، هكذا يبدو حالنا مع الرئيس/ صالح ونظامه، فكلما قلنا بضرورة رحيله وتنحيته كمقدمة لتغيير جذري من شأنه بناء الدولة المدنية التي مازالت غائبة كلياً، عاد الرئيس بنا إلى مربعه المعتاد؛ المؤتمر الشعبي ككبش فداء يتجلى في الأزمات والمشكلات، الشرعية الدستورية كرئيس منتخب من الشعب، الحكومة بصفتها تجسيداً لمبدأ الأغلبية النيابية، القوات المسلحة والأمن كمؤسستين ينبغي أن تكون مع الرئيس لا مع الشعب والوطن.
لو أن مليون مواطن أميركي أو أوروبي تظاهروا ضداً على الرؤساء أوباما أو ساركوزي أو كاميرون، لما أستدعى الأمر أكثر من ساعة أو ساعتين أو ربما يوماً، فبرغم أن هؤلاء منتخبون من عشرات الملايين ومشروعيتهم مستمدة من انتخابات تنافسية حرة ونزيهة، إلا أن أياً منهم لن يبقي في الرئاسة بعد تظاهر مليون إنسان أو أنه سينزل قوات الجيش والأمن لقتل واعتقال المطالبين بإسقاط ورحيل الرئيس وبذريعة حماية الشرعية الدستورية.
الشيخ/ سلطان البركاني يعتقد أنه يمثل إرادة الناخب، فهذه الإرادة بالنسبة له يجب أن تحترم كونها أصل أية عملية تغيير، الرجل يتحدث بلهجة الواثق من أن رئيسه وحزبه ونظامه يمثلون الإرادة الشعبية الحرة والحقة، نعم الاتفاقات السياسية لن تكون بديلاً لإرادة الناخبين الذين منحوا الرئيس صالح مشروعية البقاء في السلطة حتى 2013م، ولكننا في بلد اسمه اليمن وليس النرويج أو السويد، فلو أن الرئيس والبركاني والراعي والمؤتمر والقائمة طويلة يمثلون سلطة الشعب لما قامت ثورة ولما بقى رئيساً أو نائباً.
"البركاني والجندي والشامي والصوفي" مازالوا يحدثوننا عن رئيس وبرلمان منتخبين من الشعب، مجلس النواب انتهى في إبريل 2009م وتم تمديد مدته باتفاق سياسي ومع ذلك البركاني يحدثنا كرئيس كتلة تمثل الإرادة المجتمعية، الرئيس يحكم منذ 33 عاماً وبرغم هذه الفترة الزمنية لا يجد أتباعه وموالوه حرجاً من القول بأنه يمثل المشروعية حتى سبتمبر 2013م.
اليوم هناك ثورة شعبية أسقطت الرئيس ونظامه، كأن هذه الملايين الثائرة في كل أرجاء البلاد ليست صاحبة الحق في إسقاط الحكم، كأن هذه التظاهرات والتضحيات والقرابين والدم والدمار والخراب ليست إلا محاولة انقلابية على حاكم شرعي منتخب ديمقراطياً.
أعجب الآن من مطالبة البركاني بانتخابات مبكرة بإشراف ومراقبة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة كليا، مثل هذه الانتخابات النيابية أو الرئاسية هي من أخرج اليمنيين لإسقاط الرئيس ونظامه، وعليه فإن الحديث عن انتخابات في ظل هيمنة الرئيس وأقاربه على السلطة والثروة والبنك المركزي والقوة والإعلام والوظيفة وغيرها من مقدرات الدولة ستكون مجرد ظاهرة بلا محتوى.
الإرادة الشعبية لطالما تم اغتصابها واعتسافها من الرئيس ونظامه، فلو أن هناك ثمة من يحترم الشعب وإرادته في التغيير الجذري لمجمل الأوضاع لكان الأولى بهؤلاء القائلين بشرعية صالح ونظامه العائلي أن يخجلوا ويصمتوا على أقل تقدير.
الواقع أننا في بلد لا توجد فيه دولة مؤسسات ونظام وقانون ومواطنة متساوية، فالرئيس صالح لم يقم دولة من أي نوع، مأساة حقيقية أن نجد أنفسنا بلا دولة وبعد نصف قرن على الثورتين، ومع هذه المشكلة مازال الرئيس وأتباعه يدعوننا للحوار حول الانتخابات ويحدثونا عن مشروعيتهم الزائفة الآتية من احتكار السلطة والثروة والمال والجيش والأمن والتلفزة والصحيفة وحتى صندوق الانتخاب.
محمد علي محسن
ما فيش دولة قال انتخبوا 2560