يستطيل بعض الناس وقت الثورة، ويغفلون حقائق أساسية يجب تذكرها، إن الفساد الذي ثرنا عليه تجذر بالآباء والأبناء والأحفاد والأصهار وأخوان الأصهار وأبناء الأخوات، إنه فساد عنكبوتي تجذر في حياتنا كسرطان خبيث لا بد من إدراك أن مثله يحتاج وقتا لإزالته سلميا.ً
وأمر آخر إن النظام فرخ مجاميع من المقاتلين يقتلون بلا سبب، فهم يقتلون من يسير في الطريق العام، ويقصفون من هم في البيوت آمنين مطمئنين، وهؤلاء خطر على أنفسهم، إنهم يبيعون دنياهم ودينهم وآخرتهم ليستريح على الكرسي فلان أو علان، والنظام يريد أن يقتتل الشعب مع هؤلاء الجنود المغرر بهم، أما المفسدون فيهم في حراساتهم آمنون.
وأمر ثالث سنصبر عليها ثورة سلمية، ولن نسمح بالانجرار إلى الاحتراب الداخلي، لأن الاحتراب الداخلي يعطي النظام وبقاياه طوق النجاة للحياة بعد الموت، لذا فالثورة وإن بدت متوقفة الخطوات، فهي في حقيقة الأمر تملأ الفجوات التي في طريقها، فكأنها نهراً متدفقاً يصادفه فجوات كبيرة، ينصب فيها، فيخال قصير النظر أن النهر انتهى وحركته توقفت، ثم ما يلبث النهر أن يتجاوز الفجوات، ويعاود السير، أيها الثوار والحرائر لا تقلقوا أنتم في الطريق الصحيح، واعلموا يقينا أن القتلة الذين يستأجرهم النظام لقتل أهلنا في عدن وأرحب وتعز والحديدة وغيرها سيخسرون ويخسر النظام، فالقتل لا يبني النظام ولكنه يهدمه.
إنني أدعو الجميع إلى نبذ القتل والتحريض عليه، وهو ما يمارسه تلفزيون النظام حيث يحرض الشعب ضد بعضه، وينشر ثقافة الكراهية، ويزج باليمن في دوامات العداء، وبلغ به الحال أن يتطاول على إمام مجدد هو الشيخ/ عبدالمجيد الزنداني الذي هو وجه علماء اليمن وواجهتها، وأبرز مؤسسي علم الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، أي أنه أضاف حقلاً معرفياً، وهو أمر عظيم جدا لمن له أدنى إلمام بالعلم والمعرفة.
إن الكلمة في الإسلام مسؤولية جسيمة، فالكلمة من أخطر الأشياء، التي تتعلق بالعبد نجاة وهلاكاً، عن بلال بن الحارث المُزني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله لها بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه" رواه البخاري.
وذكر له في بعض الروايات قصة حدثت مع التابعي الجليل علقمة بن وقاص راوي الحديث عن الصحابي الجليل بلال بن الحارث، أنه مر به رجل من أهل المدينة، له شرف، وهو جالس بسوق المدينة، فقال علقمة: يا فلان، إن لك حرمة، وإن لك حقاً، وإني قد رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء؛ فتكلم عندهم، وإني سمعت بلال بن الحارث المزني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث السابق، ثم قال علقمة: انظر ويحك ماذا تقول؟ وماذا تكلم به؟ فرب كلام قد منعني ما سمعته من بلال بن الحارث.
ما أكثر الناس الذين يتقولون الأقاويل، ويرددون الأقوال، وبخاصة حين تكون هنالك انتخابات، أو مناكفات سياسية، لا يبالون بصدق ولا كذب، ولا يتحرجون من حق أو باطل، ولا يراعون حرمة عرض مسلم، ولا يتورعون عن الولوغ في أعراض الناس، وربما ظهر للناس كذب أحدهم، واتضح زيف قوله، يقول: هذا طبع الانتخابات، ونسوا في ذلك كله، قول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (18) سورة ق وقول الحق سبحانه: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (6) سورة المجادلة. والله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ } (105) سورة النحل.
إن الله تعالى يقول عن الصدق، قال الله تعالى: {قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} (119) سورة المائدة. يوم ينفع الصادقين صدقهم، وقال الله تعالى: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} (8) سورة الأحزاب. فإذا كان الصادق سيسأل، فكيف بالكاذب، نسأل الله السلامة.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق، حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً".
إن الإسلام يرفض الثرثرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع". في بعض الروايات: "كفى بالمرء إثماً".
عن أبي قلابة قال: قال أبو مسعود (الأنصاري) لأبي عبد الله (حذيفة بن اليمان) أو قال أبو عبد الله لأبي مسعود رضي الله عنهما: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في "زعموا؟" قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بئس مطية الرجل زعموا".
وعن جابر رضي الله عنه عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؛ أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلي، وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة: الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون، والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون"، قال الترمذي: والثرثار هو الكثير الكلام، والمتشدق الذي يتطاول على الناس في الكلام، ويبذو عليهم -أي يقول الكلام البذيء- وفي الحديث: "إن الله يبغض الفاحش البذيء".
إن الإسلام يعلي من شأن القول السديد، وترتب الآيات القرآنية الكريمة عليه نتائج عظيمة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (71) سورة الأحزاب.
ونهانا الله تعالى عن نشر ثقافة القبح، التي يمثل الجهر بالسوء، قال الله تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} (148) سورة النساء.
إن الله تعالى جعل من هداياته التي يوفق إليها أولياءه وأصفياءه الهداية إلى الطيب من القول، قال الله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ } (24) سورة الحـج، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم سترا تقي صاحبها من النار، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "اتقوا النار، ولو بشق تمرة، فإن لم تجد شق تمرة فبكلمة طيبة" متفق عليه.
ونهى المرأة المؤمنة عن الخضوع بالقول في خطاب لأكرم النساء وأطهرهن أمهات المؤمنين نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الله تعالى: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} (32) سورة الأحزاب. فأين المؤمنات من هذا الأمر؟
د. محمد عبدالله الحاوري
خطورة الكلمة في حياة الفرد والأمة 2252