في هذا الزمان العجيب الذي اختلطت فيه الأشياء ببعضها البعض، الجميل بالقبيح والشر بالخير، وتعددت الوجوه وتشابهت الألوان حتى لم نعد نميز بين الأبيض والأسود، بين الحقيقة والسراب وأصبح الصدق ينطق بلغة خجولة بينما الكذب يصدح بصوت عال حتى التهبت منه الآذان
الأحداث والأزمات والمحن تظهر حقائق البشر، تكشف سوأة أخلاقهم وتبين أنواع معادنهم الحقيقية.
وفي مثل هذه الظروف التي تعصف بالأمة ومنها بلادنا بشكل خاص بدا لنا جلياً كم أن أخلاقنا ومبادءنا سطحية وهشة تندفن تحت ذرة غبار وتضيع مع أول محنة نتعرض لها حتى نبدوا وكأننا أشخاص آخرين غريبين حتى عن أنفسنا لا نكاد نعرف بعضنا
في طوابير المركبات التي ترتص أمام كل محطة أيام بلياليها انتظاراً للبترول والديزل ترى العجب، أناساً غابت ملامحهم تحت ثورة الغضب وشوهت إنسانيتهم أطماع النفوس المحتاجه لحفنة من المال شتم وسب وتشابك يصل أحياناً لرفع السلاح والعصي لمجرد أن سيارة أحدهم سبقت سيارة الآخر مع أن الناس أنفسهم يضاعفون من صنع الأزمة لأنهم حولوها إلى تجارة يملأ سيارته ثم يذهب ليفرغها ويبيع ذلك بأضعاف ما اشترى.
ومع اقتراب قدوم شهر الرحمة والمغفرة ترتفع الأسعار بجنون لأن البعض يحاول الاغتناء سريعاً ولو اضطر لخطف اللقمة من فم الفقير المحتاج، ولم يعد مشهد المتسولين من العجزة والأطفال الذين يملأون الأرصفة والطرقات يثير الاهتمام أو الشفقة لأن كلاً منا أصبح ملهياً بنفسه واحتياجاتها وغدا شعار الأغلبية من الناس نفسي نفسي ومن بعدي الطوفان مع انه يفترض بنا في ظروف قاسيه كهذه أن نتراحم ونتعاون ونتكاتف ونصبح كما قال الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام (المؤمن للمؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له بقية الأعضاء بالسهر والحمى).
أعتقد أننا بحاجه لأكثر من مجرد ثورة، نحن بحاجه إلى ثورات تبدأ داخل النفوس تطهرنا وتصهرنا ثم تعيد بنائنا من جديد، نحن بحاجة إلى أن نتعلم الأخلاق الإنسانية ثم نتذكر ونعي أننا شعوب مسلمة على دين سيد الأخلاق، معلم البشرية رسول الحب والرحمة عليه الصلاة والسلام
حقاً إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .
جواهر الظاهري
زمان الاإنسانية .... 1879