ماذا بعد إعلان المجلس الانتقالي؟ المطلوب ألا تتوقف الثورة عند مسألة الإشهار لهذا المجلس المعَّول عليه إخراج الثورة من شرنقة المراوحة والانسداد الحاصلين إلى أفق واضح المسار والملمح، بل ينبغي الانتقال إلى خطوات عملية ثورية أكثر جرأة وفعلية، فطبيعة المرحلة والمهمة تقتضيان هذا الانتقال باعتباره ضرورة تحتمها الحاجة لتجاوز الحالة الراهنة الناتجة عن أزمة حادة، تعاني منها الثورة اليمنية الأسيرة المراوحة ما بين كونها أزمة سياسية أم ثورة مجتمعية.
اعتقد أن المجلس الانتقالي لا يستلزمه معركة تحرير على غرار الحالة الليبية، فالبعض وبالذات الأوربيين والأميركيين لديهم حساسية من مسمى المجلس الانتقالي، خوفاً من تكرار سيناريو المجلس الانتقالي الليبي، فبرغم اختلاف الحالة اليمنية التي هي ليست بحاجة لبنغازي يمنية إلا أن هناك مخاوف من طرح فكرة المجلس الانتقالي كبديل لفكرة انتقال السلطة وفق الدستور ومبادرة الخليج .
الواقع يشير إلى أن ثورة اليمن ربما تشبه ثورة ليبيا، لكنها لا تماثلها، فإذا كانت السمة المشتركة بين العقيد/ القذافي والمشير/ صالح تكاد واحدة من ناحية الدولة المؤسسية المفقودة وتركز القرار بيد الاثنين وأقاربهما، ناهيك عن تركيبة المجتمع القبلي، خاصة في المحافظات الشمالية التي مازال ولاؤها للقبيلة أكثر من ولائها للدولة ومؤسساتها وتشريعاتها وأحزابها .
هذه الخصائص المشتركة بين ليبيا واليمن من ايجابياتها أنها مثلت عوامل مؤثرة في إسقاط القذافي ونظامه العائلي، بينما من مساوئها أنها أخرت مسألة إسقاط الرئيس/ صالح ونظامه العائلي أيضاً، ففي الحالتين هناك تشابه واختلاف وعلى شباب الثورة الاستفادة من أوجه الاختلاف؛ أما التشابه فليس هناك ما يدعو أوروبا وأميركا لدعم ومساندة ثورة اليمن، فإذا كان مجلس مصطفى عبدالجليل قد لقي الدعم والحماية من أوروبا وأميركا وحتى الخليج والجامعة العربية، فأنه لمن سوء الطالع أن تكون ثورة اليمن بعيدة عن ضفة المتوسط ولا يوجد فيها غير ممر مائي لعبور النفط الخام .
ليبيا حين تم دعمها بقوة ستكون دون القذافي أقرب لأوروبا وأميركا، فالدولة المدنية الديمقراطية الغنية بالنفط والغاز يمكن لها تحقيق الاستقرار ومحاربة الهجرة والإرهاب في الضفة الجنوبية للمتوسط، اليمن ستكون دون صالح دولة مختلفة شكلاً وقالباً، لذا يتوجب دعم حكم العائلة، فبقاء صالح وعائلته في السلطة أفضل من دعم ثورة شعب .
ثورة اليمن يجب أن لا تنشغل كثيراً بأوجه التشابه مع الثورات العربية، ولكن عليها استثمار ما يميزها عن هذه الثورات، فهناك عدة أوجه تجعلها بمنأى من الصراع المسلح الطويل ومن تكرار المشهد الليبي، فالمجلس الانتقالي في اليمن لن يكون نسخة مكررة من مجلس بنغازي .
فهنا على الأقل الثورة الشعبية محمية وموجودة في كافة مساحة البلد، فلديها من الجغرافيا والمساندة الشعبية ومن القوة والمقاومة ما ينوء بها من الانزلاق في حرب أهلية طويلة أو غيرها من الفرضيات المحتملة التي ربما كان لها إطالة الصراع في ليبيا، لكنها وبالنسبة لثورة اليمن، فلن تفلح .
فحتى أولئك الذين يتحدثون عن الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي كقوة رافضة واقفة بوجه الحسم النهائي عليهم أن يعلموا أن اغلب هؤلاء المنتسبين لقوة الأبناء والأشقاء هم من عامة اليمنيين وليس من المرتزقة المأجورين كما هي في الحالة الليبية، إضافة إلى عامل الجغرافيا والقوة يوجد عامل ثالث يتمثل بطبيعة المجتمع المسلح بعكس المجتمع الليبي الذي لم يستخدم السلاح سوى بعد ثورة 17 فبراير.
محمد علي محسن
مخاوف من بنغازي يمنية 2368