مثلما أشعلت مدينة سيدي بوزيد شرارة الثورة في تونس، ومثلها فعلت بنغازي في ليبيا ودرعا في سوريا، مثلت تعز نواة الثورة اليمنية والتي بدأت بخروج ما يزيد عن "100" ألف مواطن إلى شوارع المدينة للتعبير عن فرحتهم بسقوط الرئيس المصري حسني مبارك، مذاك تنظر الأسرة الحاكمة للمحافظة على أنها بداية التمرد على ما تسميها "الشرعية"، بينما نظر إليها نحن باعتبارهـا طليعة الثورة على فسادهـا وجهلها، وما نحن عليه من الفوضى وحياة ما قبل الدولة.
يطلق عليها البعض "تعزَّاته" لشدة ما تتعرض له من صنوف العقاب منذ بداية الثورة حتى اليوم، كما هي مدينة مصراته، أولى المدن الثائرة في الغرب الليبي، منطقة النفوذ التقليدي للعقيد القذافي.
بداية الاحتجاجات، دفع النظام ببلاطجته إلى ساحة جامعة صنعاء، مطالبين أبناء تعز بالرحيل بمن فيهم هيئة التدريس وبألفاظ مناطقية موجهة أرادوا بها استفزاز الناس, علّ ذلك يدفع بهم إلى خطاب مماثل بهدف حرف الثورة عن مسارها، كواحدة من الأوراق التقليدية للنظام التي اعتمد عليها خلال سنوات حكمه الطويلة والقائمة على ضرب النسيج الاجتماعي للمجتمع على أساس (زيدي شافعي، مطلع منزل، شمالي جنوبي، وحدوي انفصالي) ....الخ.
غير أن تعز كعادتها لم تتعاط مع هكذا خطاب ولم تعره أدنى اعتبار، وهي التي لا يمكن لهـا أن تتحرك إلا ضمن أفق وطني يقود إلى بناء دولة يمنية حديثة، لذلك نرى شبابهـا يستشهدون في أكثر من محافظة، بل وتتحمل النصيب الأكبر في ضريبة التحول الوطني، عندما نعرف أن "33" شاباً من شبابهـا سقطوا في جمعة الكرامة ونصف عدد من استشهدوا أمام مدينة الثورة الرياضية ومحاولة الزحف نحو رئاسة الوزراء.
لم يستوعب علي صالح انتفاضة تعز وتحمل موقفها، وهي التي لم تكن بالنسبة له أكثر من بقرة حلوب، ومدينة لا تدخل دائرة اهتماماته إلاّ عندما يرغب في استعراض وهم زعامته، من خلال قيادته سيارته الرئاسية، متنقلاً بين مديرياتها في زيارات عبثية لا معنى لهـا، أو التجوال في أسواقهـا، مستعرضاً أكل موز وفرسك صبرها، وفي أكثر الأحوال تذكر بداياته.
وعلى أساسه، وإمعاناً في محاولة قهر المحافظة، لم يكتف نظام صالح بأدوار بلاطجته المحليين، إذ قام باستقدام قائمة من مناطق أخرى بعيدة، وحثالاث عسكرية وأمنية لم تتورع في استخدام كل ما تعتقد إنه سيقود إلى إخماد الثورة، أمثال "قيران والعوبلي وجبران"، خاصة بعد أن أثبت الأول امتلاكه مؤهلات دموية ومناطقية في محافظة عدن.
على أن اقتحام ساحة الحرية هو الأبرز من حيث بشاعة الجريمة، حين قام النظام بإحراق "14" معاقاً من المعتصمين ومن ثم جرفهم بطريقة أشبه بمخلفات البناء، وفي اعتقادي لم يكن ليجرؤ على مثل هذا الفعل لولا الضوء الأخضر الأميركي–السعودي، بدليل عدم تبني هاتين الدولتين لأي موقف تجاه ما حدث ولو من باب الإدانة الشكلية.
الكتابة عن تعز، تأتي في سياق ما تتعرض له من قصف مستمر وإهدار يومي لدماء مواطنيها، ولا يعني بأي حال من الأحوال التقليل من تضحيات المحافظات الأخرى، فكما تقصف تعز وبمختلف أنواع الأسلحة، تقصف كذلك أرحب ونهم والحيمة والحبيلين والأمانة وعدن، أما ما يجري في أبين، فهو الأقسى على الإطلاق.
مشاركة فاعلة وجماعية، تدفع بنا إلى الاطمئنان على سلامة الدولة الوطنية القادمة، فبقدر ما يشارك الجميع في قيامها بالقدر نفسه سيكون الجميع حريصاً ومدافعاً عن استمرار وثبات نهجهـا.
ويظل الحديث عن تعز، مجزأ الحروف ركيك المعنى ما لم يتطرق إلى رمزهـا الوطني الشيخ/ حمود سعيد المخلافي وأبناء شرعب وسامع وجبل حبشي وجبل صبر وآخرين لدورهم المشرف في الدفاع عن المدينة وساحة الحرية فيها، وحماية المعتصمين والاقتصاص ممن حاولوا التحرش الأخلاقي بماجداتها وحرائرهـا.
إلـى قنــاة سهيـــل:
لا يستطيع أيٍ كان تجاهل الدور الذي لعبته وتلعبه قناة "سهيل" الفضائية في مسار الثورة وإبراز كل ما يرتبط بهـا، غير أن عتبنا عليها يتمثل في عدم القيام بما كان يفترض بها من توثيق وإبراز لما حدث في ساحة الحرية بتعز، وتوظيفه على النحو الذي يقدم صورة حقيقية عن جرائم النظام للعالم الخارجي ومنظماته الحقوقية والإنسانية.
من ناحية أخرى، لا نعلم ما هي الأسباب التي تحول دون قيام إدارة القناة ببث خطابات الشهيد/ إبراهيم الحمدي على أهميتها وتأثيرهـا في هذه المرحلة المصيرية من حياتنـا، خاصة وهي على دراية كاملة، ماذا يعني الشهيد بالنسبة لليمنيين، والمساحة التي يحتلها في الذاكرتين الشعبية والوطنية.
مع العلم، أنني سلمت قرص "CD" للأخ/ صالح الجبري -أحد مقدمي البرامج في القناة- بناءً على طلبه، يتضمن بعض خطابات الشهيد، واعداً بإيصاله والقيام بكل ما من شأنه أن يؤدي إلى بثهـا.
نؤكـد للأستاذ/ حميد الأحمر، أن خلاف الشهيد مع الشيخ/ عبدالله -رحمه الله- لم يكن من أجل الكرسي وتوريثه أو مصلحة ذاتية، بل كان يدور حول بناء الدولة الحديثة، مع ذلك لم يفكر في إيذاء الشيخ أو استهداف منزله كما فعل علي صالح.. أليس كذلك يا أستاذ؟!.