الحقيقة أن هذا العنوان ليس من وحي قلمي ولا من نسج خيالي ولا حتى من منطلق قناعتي، لكن استوقفني حديث لأحد قادة المشترك الذي أكنُّ له كثيراً من الاحترام وهو يحاور أحد المذيعين في إحدى القنوات ويشكو مما يعانيه المشترك في مواقفه التي لا يحسد عليها في معالجة الأزمة اليمنية، والذي قال في آخر كلامه: ( فأصبح المشترك مثل فقير اليهود لا غَنِمَ دنيا ولا كسب آخره)، أو بهذا المعنى!.
فاستوقفني هذا المثل والذي ربما ينطبق جانب كبير منه على حالة المشترك من الصراع الدائر في الأزمة اليمنية المستحكمة وهو واقع بين مطارق شتى وسندان النظام والذي ما يفتأ يوجه إليه اللوم ويهيل ويكيل عليه الاتهام بتحمل المسؤولية، فيما يعانيه الشعب من ويلات هذه الأزمة المستحكمة ويحاول أن يضعه في زاوية المسؤولية المباشرة على جميع الويلات والنكبات بحق أو بباطل، بل يذهب أبعد من ذلك، فيلقي على عاتقه مسؤولية إثارة الساحات سواء بالأصالة أو الاستحواذ.
وأياً كان الأمر، هل يصبح المشترك حقاً كما وصفه ذلك الرجل والذي لو صدق لصدق في المشترك قوله تعالى (وشهد شاهد من أهلها)، أم أن الرجل أراد بهذا المثال تبرئة المشترك من جميع ما ينسب إليه وأراد أن يظهر أن فهم الأطراف له أصبح كحال صاحب ذلك المثل المضروب، ولعل هذا ما يرمي إليه.
وفي تقديري أن المشترك إذا لم يقم بإدارة هذه الأزمة بأمور ويتدارك أخرى وألا يخشى في نهاية المطاف أن يصدق عليه ذلك المثال:
أولاً: إدراك المسؤولية وتحملها على الوجه الذي يليق بها في تحمل مصير هذا الشعب والذي تكبد ويلات الفساد والحروب والتفرق وجميع صنوف القهر والاستبداد الداخلي والخارج.
ثانياً: إتقان إدارة اللعبة السياسية من جميع وجوهها، فلا يكون دائماً في طرف الإذعان بلعبة يظهر الحنكة والخبرة في ذلك للاعبين في هذه الأزمة وفق ثوابت ومنطلقات هذا الشعب، لا من منطلقات ومصالح المتلاعبين بخيوط هذه الأزمة.
ثالثاً: إشراك كافة الفعاليات الاجتماعية والسياسية والشخصيات ومشاركتها في جميع الجوانب المتعلقة بالحلول المخرجة من هذه الأزمة، وعدم الاستئثار بالرأي والمشاركة والمشورة والمعلومة حتى لا يشعر الآخرون بالتهميش أو على الأقل بعدم الالتفات إليهم.
رابعاً: التخلي عن المواقف السامجة والسابقة وعدم التغني بماضي المنجزات، بل يجب معايشة لحظة الحدث ومواكبة تغير الأحداث.
خامساً: عدم الاكتفاء في مواجهة الفساد بالتغني بفضح مواقفه أو البحث عن إظهار أكبر قدر ممكن من عوراته، بل لابد أن يشعر هو ومن خلفه بندية وقدرة حقيقية على تحريك الفعاليات والقدرة على المواجهة على جميع المستويات.
سادساً: الالتحام بالشارع، بحيث تتناغم جميع المواقف، فإن لم يتيسر على مستوى الترتيب، فليكن على مستوى مؤدى آثار هذه المواقف، بحيث يتحقق التقارب الذي يردم الهوة، فلا تتعمق ويغلق الفجوة، فلا تتسع بينه وبين المتجمعين في الساحات.
سابعاً: إتقان لعبة شد الحبل مع الأطراف الفاعلة في هذه الأزمة والتفاوض على أساس المصالح المشتركة والتي يجب أن يكون أساسها مصلحة هذا الشعب لا المصالح الضيقة والأصولية.
ثامناً: الابتعاد عن فكرة الوصول إلى السلطة مهما كلف الثمن والتي تسيطر على فكر بعض المنتمين إليه والاقتراب من فكر المشاركة والمنافسة.
تاسعاً: تحديد الأوليات في إدارة هذه الأزمة وفقاً لمعطيات واقعها، لا التمسك بالطرق النمطية سواءً في التفكير أو الطرح وهو ما يشعر به المتابع، حيث يجد أنه بالرغم مما مرت به هذه الأزمة من معطيات مختلفة ومنعطفات تحتاج إلى تغيير الأوليات أحياناً أو حتى التكتيكات، إلا أن الملاحظ يرى أن الرؤى لا تكاد تتزحزح عن طرح واحد وتصريحات ثابتة، تحيط بها متغيرات لا تتواءم مع الواقع المطروح وإفرازات الأزمة المستحكمة.
وأخيراً فإن هذا الطرح لا يعد نقداً، ولكنها وجهة نظر قابلة للأخذ والرد ومفتوحة للزيادة والنقصان وهي من باب النصح لأئمة المسلمين وعامتهم.