لم أدرك إلا هذه الأيام كم كان سعد الصغير -الفنان الشعبي المصري- محقاً حين غنى ((أحبك يا حمار ))، لأنني كنت قبلها ضمن المستخفين به، بل من الأشد استخفافاً وانتقاداً لتلك الأغنية وأشباهها، لأنني كنت أفضل الغناء وإطلاق ألفاظ الحب بما لها من معاني تهز الوجدان وتثير الحواس وتحفز العواطف على المخلوق الراقي الذي هو النصف الآخر للإنسان، إن كان حب الرجل للمرأة أو حب المرأة للرجل.
ولكنني أدركت هذه الأيام أن هنالك حباً تفرضه السياسة وتتنبأ به الموروث الشعبي من خلال الشعر والغناء، تلك السياسة التي فرضت نفسها على حياتنا والتي يرفض أصحابها عدم التخلي عن نزواتهم السادية ونزعاتهم الاستعبادية، مصرين على فرض مفاهيم العواطف، وما كنا نعتبره شيئاً معنوياً ليس لأحد دخلاً به وتحديد مفهوم الحب وتحويله عن مكانه الراقي إلى أشياء ما كنا نفكر بحبها بقدر ما كنا نعبر بأسمائها لنعت الإنسان عند وقوعه في أسوأ لحظات الغباء أو ارتكابه الحماقات والأخطاء.
فرضت علينا السياسة الحب بمفهوم الساسة الذين لا يتعدى وصف أحدهم لو أحببنا أن نوصفه، متناسين شره وواضعين سلبياته في ركن بعيد, ذلك الذي تغنى بحبه سعد الصغير، يفرض علينا الساسة حبه ربما جزاءً وعقاباً على تهكمنا ووصفنا للكثيرين منهم بحب سعد الصغير مع مراعاة أننا نتجنى على الحمير ونستبد في ظلمها عندما نصف البعض منهم أو نطلق عليه اسم ذلك الحيوان البريء والطيب والوديع الذي لا تتجاوز أخطاءه أكثر من حريق الدم والأعصاب لحظة وقوفه على خط السير أو الشارع دون أن تتزحزح وتتحرك مهما أطلق أصحاب السيارات أبواقهم، على أيام رضا الساسة وجنتهم وخيراتهم الموهوبة كرماً وتفضلاً ونعني بها البترول والديزل، أما الآن فإنه لم يعد هنالك من داعي لحريق الأعصاب بعد أن أصبحت الشوارع خالية أو شبه خالية من السيارات والمركبات, فليقف حبيب سعد الصغير وحبيب الكل أينما يحلو له في شوارع المدن ويتبختر كالطاووس ومن حقه أن يحصل على تحية بقلع القبعة وانحناءة الرأس.
يفترض أن يصدر قانون يجرم كل من يشتم إنساناً أو يطلق عليه لفظ حمار بعد أن عرفنا قدره وقيمته وأدركنا أنه الصديق وقت الضيق، خصوصاً عندما نقارنه بمن تصورنا أنهم أصدقاء الشعوب وأنهم المهتمون بحياتهم ومصائرهم وكأنهم يرمون فشلهم وكلما يصنعون على الآخرين ويحملونهم تقصيرهم وفسادهم ويتخلون عن الشعوب في أسرع الأوقات ويختفون تماماً أيام الأزمات.
فيثبت عالم الحمير كم هو وفيٌّ ومتسامح غير حاقد لا يتعصب لحزبه ولا ينتقم لجنسه ولا يثأر لهجرانه وتجويعه عندها لا يجد الإنسان إلا أن يردد :
ما أكثر الأصحاب حين تعدهم ** لكنهم في النائبات قليل
بقي في الأزمة وللأزمة الحمار وتوارى واختفى اللصوص وأشباه الرجال وتحمل الحمار المسؤولية باقتدار وطأطأ ظهره للصغار والكبار، بينما ضاع سماسرة مسؤولي الاتجار وانشغلوا بجمع أكبر غنائم الدولار، فمن حق الحب هم أم الحمار؟
عمموا على كل جار يسحبه الحمار أغنية "أحبك يا حمار" حتى نعيد له بعضاً من حقوقه ونعوضه عن بعض ظلمنا له .
علي الربيعي
ارفعوا شعار "أحبك يا حمار" 2466