الحال اليمنية الحالية الراهنة إستثنائية بامتياز، ولذا فمن البديهي أن يتزايد الخوف على المستقبل القاتم، الذي يلوح في الأفق وسيلقي بظلاله على المنطقة برمتها في حال حدوث مكروه، وشبّت نيران الفتنة، وحميَ وطيس حرب الصراعات بين الشعب، الذي ينتمي غالبيته لقبائل وفئات مسلحة، والنظام الذي بدأ حملاته المسعورة ضد كل من يقف بوجهه.
ولعل ما ينذر بحدوث الكارثة، اشتداد الاختلاف، واتساع الهوّة وبلوغها الذروة، عندما ظهر أخيراً حميد الأحمر وكوكبة من علماء اليمن (الشماليين)، الذين يطالبون الرئيس علي عبدالله صالح بالتنحي، وما حدث له أخيراً من إصابات خطرة يرقد بسببها في أحد المستشفيات السعودية، وفي مقدمهم الشيخ عبدالمجيد الزنداني، الذي دعا إلى التظاهر والتجمهر وعدم مغادرة الشارع، بعد تصريحه الشهير الذي سمّاه «فتوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وانضواء ذلك الحكم تحت راية الجهاد، في سابقة خطرة ومدمرة بلا محالة، تكشف مدى تكييف الدين وأحكامه على حالات الهوس السياسي الهوجاء، التي هي أقرب إلى المماحكات المفرطة وتصفية الحسابات في بلد طالما مرَّ بمنعطفات تاريخية مأسوية خطرة أنهكته وأهلكته وأدخلته في حروب متوالية، استُنزِفت خلالها الثروة البشرية والاقتصادية، من دون أدنى اعتبار واتعاظ بخطورة تردي الأوضاع التي لن تجعل الشعب يثق بأي حكومة كانت، بفعل الجوع والفقر المدقع، والبطالة المزمنة، والفساد المستشري في شتى مفاصل الجسد السياسي المتهالك المترامي المتخاذل.
لعل أبرز ما يزيد الأمور تعقيداً أن تتعامل الآلة العسكرية اليمنية بمعايير مزدوجة مختلفة ضد الهبَّة الشعبية وفقاً للانتماء المناطقي، وحجم الثقل القبلي المتصدّر لقيادة الشارع المتذمر من السلطة، الذي يطالب برحيلها من دون قيد أو شرط، أو حتى حوار.
وأظن، وبعض الظن ليس إثماً، أن من يقول إن الأمر عادي فهو مخطئ، ومن يعتقد بأن الأمور محسومة فهو لا يفقه الأمور، ومن يتوقع أن نهاية الانفلات وشيكة فهو مخطئ ولا يفهم ولا يفقه وإمّعة، والدليل يتمحور في عدم سيطرة أي طرف مع تزايد وتصاعد حالات الكر والفر، واشتداد ضراوة المواجهات التي تحصد قوافل من القتلى من خيرة رجال وشباب اليمن «عسكريين ومدنيين»، وكأننا في حرب أهلية غير معلنة، تدور رحاها تحت شعار خفي يحمله الجميع، مضمونه «نكون أو لا نكون»، في ظل عدم نزول السلطة، عند رغبة الشارع حقناً للدماء، وعدم يأس وتخوّف الشارع من المواجهة الدامية الفتاكة طلباً للخلاص من النظام.
السؤال الذي يفرض نفسه في نهاية المطاف: ما واجب ودور الحريصين على اليمن من أفراد ودول في درء الفتنة والتقدم بأي أوراق قد تحقن النزيف الحاد لكل جميل في البلاد السعيدة، أم أن الأمر لا يعني أحداً لا من قريب ولا من بعيد؟! ودمتم بلا فتن.
دار الحياة اللندنية
عدنان بن عفيف
لليمن ربٌ يحميه! 2051