يقول المرحوم العميد حسين بن علي الحاوري:
فاجأتني بالسؤال الصعب يا ولدي..... كيف ارتقت أمم الدنيا عدا بلدي
إن هذا البيت الشعري الجامع، الذي ارتقى فيه الشاعر إلى أوسع أفق يضع سؤال القرن، وهو هذا السؤال الحضاري المطل على تاريخ أمتنا في عصور الانحطاط، وتبعية الاستعمار، وسيطرة الاستبداد، وعلو المفسدين في الأرض، من الرويبضات وهو الرجل التافه يتحدث في شأن العامة، الذين ظلموا اليمن ومنعوا ارتقاءها، واغتالوا الدولة المدنية الحديثة التي أرادها الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي رحمه الله، والذي أراد أن يستعيد مجد التاريخ اليمني العظيم.
إن نظام صالح لم يستطع أن يشيد لنفسه مستشفى يعالج نفسه فيه، بدلا من ترديد بعث الشكر للملك على الرعاية الكاملة، ثلاثة وثلاثين عاما لم توفر له غرفة يتعالج فيها، هكذا هي الإنجازات العملاقة التي يتباهى بها التلفاز.
إن اليمن في عصرها القديم قدمت نماذج حضارية كبرى، شكلت علامات فارقة في حياة الإنسانية عبر تاريخها الطويل، ففي حب الأوطان قدمت سيف بن ذي يزن، الفارس البطل الزعيم الأبي الذي يتحرك في طول الأرض وعرضها يبحث عمن يعينه لتحرير وطنه، وفي بناء الدول تفوقت بلقيس على كثير من الرجال، تبني وطنا يشع بالحرية، ويزدان بالشورى الحقيقية، ويمارس الفصل بين السلطات، ولا تغامر باليمن في أتون الصراعات العالمية لتسترزق بهم، وفي الشجاعة والصبر على البلاء قدمت نموذج الشجاعة ومضرب المثل عنترة الفوارس، الذي يحمي الذمار، ويمنع الديار، والذي يغشى الوغى، ويعف عند المغنم، وفي الكرم والعطاء والبذل قدمت حاتم الطائي، وفي الإيثار والمواساة قدمت اليمن الأنصار رضي الله عنهم الذين وصفهم القرآن الكريم بقول الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} (9) سورة الحشر.
لقد أجاب الشباب بثورتهم المباركة على السؤال الصعب، كيف ارتقت أمم الدنيا عدا بلدي إن اليمن؟.
تطلب من شبابها اليوم أن يكونوا أحرارا كما كان آباؤهم، وأن يكونوا صبورين كما كانت سجايا أوائلهم، لأنهم بناة المجد، وقديما قال الشاعر:
إنا وإن أحسابنا كرمت لسنا على الأحساب نتكلوا
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلـما فعلـوا
وكانت اليمانية هي ركن الدولة، وحجر الزاوية في تاريخ العرب والإسلام، وهي عمود الرحى التي تدور عليها وبها تواريخ الدول قياما وفناء، ومازالت الحصون والقلاع بأسمائهم بامتداد الخريطة في مشارق الأرض ومغاربها.
إن التاريخ يمجد شأن اليمن، ويُكبِر من دور اليمنيين، ولكن نقف أمام عدة نقاط:
إن الأوطان تبنى بأصحاب المواقف الشجاعة من شبابها ورجالاتها وقاداتها وأسود العرين من أبطالها، بمن يقفون مع الشعب بكل ما يملكون من قوة وعزم، وبالأحرار الذين لا تهولهم هالة الإعلام الرخيصة، ولا ترعبهم زمجرات الرصاص، ولا دوي المدافع، ولا أزيز الطائرات، ولا يخافون إلا الله تعالى.
فليس من عادات أهل اليمن أن يكونوا رقماً في صفحة مستبد، ولا أن يكون شبابهم هتيفة يهتفون بحياة الأشخاص، أو الأحزاب، أو الجماعات، بل شأن شباب اليمن كبير جدا، إنهم يبنون وطناً، ويحررون أمة، ويخلعون الاستبداد من نفوسهم وحياتهم، ويفرضون بإصرارهم بناء يمن جديد، يمن حر مجيد؛ ولأجل ذلك لا يقبلون الضيم، ولا يرتضون الهوان، ولا ينصاعون لظالم بحال من الأحوال، ولا ينجرون إلى مربع العنف والدم، إنهم أبناء الملوك من سبأ، ونسل الأماجد من قتبان ومعين، وأبناء الأنصار الذين تبؤوا الدار والإيمان، ويصدق فيهم قول الشاعر:
ترى كل مظلوم إلينا فراره ... ويهرب منا جهده كل ظالم
أيها الأبطال اليمنيون: وكما يرفع أحرار العالم في كل حركات التحرر صور جيفارا لأنه رمز من رموز الإنسانية لمقاومة الظلم، سيرفع أحرار العالم اسم اليمن، في أعظم اللوحات في الميادين؛ لأننا أصبحنا رمز الصبر والمقاومة السلمية للظلم في العالم، إنها اليمن الحبيبة.
د. محمد عبدالله الحاوري
ثورة الشباب والسؤال الصعب 2381