لو نظرنا إلى الثورات العربية اليوم لوجدنا أنه يربطها جميعاً رابط واحد، هو: الثقة بالله عز وجل، واليقين في الله تبارك وتعالى، فقد خرجت الملايين إلى الاعتصام في الميادين والساحات متوكلة على الله الواحد الديان الحي الذي لا يموت، قال الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} (58) سورة الفرقان.
وحينما يتمسك أعداء العدل، والمتشبثون بالظالم، والمؤيدون للظلمة، والمجتهدون في معصية الله عز وجل، والمتبجحون بالولاء للقتلة، والفخورون بتأييد الذين يستكبرون في الأرض بغير الحق، والرافعون عقيرتهم: معنا الرئيس، يهتف الملايين بعد الصلاة في طول اليمن وعرضها: معنا الله {وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا} (45) سورة النساء، ويرفعون السبابة إلى السماء بالهتاف الموحد: حسبنا الله ونعم الوكيل، عملاً بقول الله عز وجل: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (173) سورة آل عمران.
وحينما يتمسك الظلمة وأعوانهم بالمخلوق الفاني، يستمسك الثوار والثائرات وأنصار الثورة بالمعبود الباقي، وحين يوالي الظلمة كباراً وصغاراً العبد الظالم تتجه الثورة بولائها إلى الله العدل {وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا} (79) سورة النساء، {وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً } (81) سورة النساء، {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (39) سورة الأحزاب.
إنهم يقولون الحرس معنا، فنقول رب الحرس معنا، هم يقولون معنا القوة الضاربة، ونحن نقول معنا الله الذي له القوة جميعاً، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} (165) سورة البقرة.
إن الذي أخرج الناس بالملايين إلى الساحات والميادين هو ثقتهم في نصر الله عز وجل للمظلوم على الظالم، ونصر الله عز وجل للمطالبين بالعدل، وخذلانه للمتمسكين بالظلم والظالمين، وثقتهم في أن الله مع العدل، لأن العدل اسمه ولأنه يحبه، ولأنه أمر به {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (90) سورة النحل، وأنه يزكي فعل من يأمر بالعدل، حتى أن الله عز وجل قرن من يأمر بالقسط مع النبيين في موقف واحد، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (21) سورة آل عمران، ونحن ما خرجنا إلى الساحات والميادين وافترشنا الإسفلت وصبرنا على أنواع المشاق إلا أمراً بالقسط، فهذه الاعتصامات والمسيرات هي أمر بالقسط، وما يقوم به النظام هو قتل للذين يأمرون الناس بالقسط.
إن الثقة في الله عز وجل وأنه حرم الظلم، وزكى من يقاومه كما في الآية السابقة، هي التي دفعت بأمتنا أن تخرج تطالب بحقها في العيش الكريم، والحياة الطيبة، والانعتاق من حكم الطاغوت، والتحرر من الأنظمة العائلية التي تجعل القتل مهنة لجيشها وقواتِها، وقطع الأرزاق وسيلة تعذيب جماعية للمجتمع، والتي تقصف بيوت المواطنين وآبار الشرب بالمدفعية وبالطيران الحربي، فلم يبقوا نوعاً من أنواع الظلم إلا وارتكبوه، ولا فعلاً من أفعال الفساد إلا واقترفوه، ولا قبيحاً في الدين والدنيا إلا وأخذوا منه بالنصيب الأوفر والسهم الأعظم، وما حدث ليلة البارحة من ضرب بالنار ورمي بالرصاص الحي، إن هو إلا كبر في الصدور المريضة، قال الله تعالى: {إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} (56) سورة غافر.
إننا على ثقة أن الله إذا أخذ الظالم لم يفتله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا النظام ظالم مبين، فالقتل ظلم، وهدم البيوت ظلم، وترويع الآمنين ظلم، وتخويف المطمئنين ظلم، وإفزاع الناس ظلم، ونهب الثروات ظلم، والكذب ظلم، واختطاف الناس ظلم، وتبديد أموال الوطن في رصاص ومفرقعات لإيذاء الخلق ظلم، والغدر ظلم، والخيانة ظلم، وبيع الوطن والمواطن ظلم، ونقض العهود ظلم، البهتان ورمي الناس به ظلم، والكبر على الخلق ظلم، والتجبر على العباد ظلم، وإطفاء الكهرباء بلا مبرر ظلم، وقطع المشتقات النفطية عن اليمن ظلم، والمعاقبة الجماعية للشعب ظلم، وتوزيع المناصب للأقرباء ظلم ومعصية، لأن الله أمر بأداء الأمانات إلى أهلها وليس للأقرباء، كل هذا ظلم وغيره مما يقترفه النظام ظلم، فهذا النظام ظلمات بعضها فوق بعض.
د. محمد عبدالله الحاوري
ثورة الثقة بالله 2318