تتأجج العواطف وتعصف المشاعر عند سببين: عند الفرحة الغامرة والمصيبة الداهمة، عندهما لا يستطيع الإنسان تملّك مشاعره، فتترجم هذه المشاعر إلى دموع ساكبة، تصبها حدقات العينين على مساحات من الوجه.
أنا شخصياً وعن تجربة مستمرة أجد في البكاء سبباً للراحة، فأنا أبكي عندما أكون وحيدة في غرفة شبه مظلمة وإن خانتني دموعي وتساقطت أمام الآخرين، فأنا لا أريد إحراجهم أو استدرار عطفهم، لأنني أرفض مشاعر الشفقة، ولكنني محتاجة إلى البكاء ليس إلا..
في هذه الحالة نطلق على البكاء بـ(البكاء الصحي)، كونه وحده يُريح الأعصاب ويمتص لواعج الحزن التي تؤثر سلباً على المزاج.
أغرب ما واجهني في هذه التجربة أنني أجد نفسي مُطالبة باكتشاف حاجتي إلى البكاء أولاً وقبل كل شيء، فصحيح أن كلاً منا يُصاب أحياناً بهذه الحالات لأسباب غامضة، إلا أن تلك الحاجة تُعلن عن نفسها عبر مؤشرات أهمها:
- ضيق التنفس.
- حشرجة في الصوت.
- صعوبة في ابتلاع اللعاب.
- حرقه وحكة في العينين.
عندما تنتابني هذه المؤشرات، فيعني ذلك أنني على أهبة الاستعداد للبكاء, لذا أجد نفسي أحضر علبة المناديل وأحياناً أختار شريطاً لفيلم حزين أو موسيقى حزينة جداً، بحيث تساعدني على إفراز كمية كبيرة من الدموع، وأبدأ بالبكاء.
* في استطلاع محدود لأشخاص حولي حول هذا الموضوع وحاجة الإنسان للبكاء انقسمت الآراء إلى شطرين، فالمدافعون عن تجربتي يعتبرون أن الإنسان بحاجة إلى البكاء كما يحتاج إلى الطعام وأنه من الأفضل في كل حال أن (نتهرب) من مواجهة الأسباب التي تبكينا ونبحث عن تجارب أخرى تساعدنا في الوقت نفسه على التعاطف مع الآخرين وعلى تلبية حاجتنا للبكاء، فمثلاً عندما نكون في حالة تقديم عزاء في مأتم، فإن الجميع يبكون، ولكن لا يدرك كثيرون أن كل شخص يختزن طاقته الخاصة من الأحزان، ليشارك الآخرين بها أي أنه يشاركهم أحزانهم ويُعبّر عن أحزانه في الوقت نفسه, لهذا فقد يكون مشاهدة الأفلام الحزينة تجربة مهمة توصلنا إلى حالة من البكاء المُريح.
* غير أن الشطر الآخر خالفه الرأي، فأصحاب هذا الرأي يعتبرون أن الفيلم الحزين أو أي شيء مُحزن قد يؤهل للبكاء يسبب بحد ذاته الأسى مما قد يزيد الأحزان، غير أن هذه الرؤية ضعيفة والنسبة الموافقة لها ضئيلة، فهم ينصحون بنوع خاص من الأفلام الإنسانية التي تقدم قصص عميقة وواقعية ومشاهد متقنة، بعيداً عن الأفلام التجارية الرديئة والتي في حالة الأحزان تصيب مشاهدها بالتوتر والانزعاج.
* الطريف في هذا الموضوع أيضاً ما نجده في أن الحاجة إلى البكاء تبدأ من طفولتنا ولا أحد يستطيع نكران ذلك وتستمر الحاجة للبكاء مع امتداد العمر، فالحاجة تكون حاجة عصبية ونفسية معاً، كما أنها حاجة بيولوجية، فالبكاء يعتبر لغة إنسانية هائلة لا تضاهيها أية لغة في العالم، فليس هناك صوت صادح ومؤثر مثل صوت الدمعة الصامتة.
* الغريب في الأمر أني عرفت أن الدموع التي يمكن أن تسيل من العينين وهي تشاهد موقفاً إنسانياً ومؤثراً تحتوي على كمية من البروتينات تفوق دموع العين حين تُقشر البصل.
هذه البروتينات كما يقول العلماء هي حصيلة حالة التوتر وإفرازات الهرمونات المؤذية وهي عندما تتلاشى من الجسم مع الدموع، فإنها تعيد له قدرته على الدفاع بعد أن يكون قد تخلص من التوتر والإحباط.، ولهذا فإن كثيراً من الناس ينصحون الشخص الحزين والمتوتر بالبكاء، كونه يمتص لواعج الحزن وتدخل النفس بعده بحالة هدوء نفسي وراحة صامتة.
* أخيراً.. ما يمكنني قوله لكم بأن الدموع وإن أستخدمها البعض كسلاح (أقصد النساء)، إما لإضعاف من حولها أو كنوع من المظاهر الكاذبة، إلا أن للدموع سحراً ينكث جذور العواطف الدفينة ويشعل فتيل المشاعر المتجمدة.
أحلام المقالح
دموع صحية ...... 2230